تعد ولاية تيرول الواقعة في المنطقة الغربية من النمسا موطنا لمهرجان تراثي يمتد لعهود ما قبل المسيحية يعرف باسم " مولرلاوف "، ويقوم الرجال والصبية خلاله بارتداء أقنعة مخيفة بها أنوف مقوسة ولحى كثيفة من الحشائش وأوراق الشجر والسير في موكب على أصوات الجلجلة ورنين الأجراس وذلك في شهر شباط/ فبراير شديد البرودة من كل عام. وينظم سكان تيرول مهرجان مولرلاوف سنويا في إحدى قرى هذه الولاية وتشمل ميوهلاو وآرتزل وروم وثاور وأبسام القريبة من مدينة إنسبروك، وهذه المجموعة من القرى تعرف بشكل جماعي باسم قرى مارثا وتعد الموطن الحقيقي لهذا المهرجان الذي يقام عشية الصوم الكبير. ويتم تنظيم مولرلاوف كل عام في إحدى قرى مارثا، وفي هذا العام ستستضيف قرية روم هذا المهرجان التقليدي في السابع من شباط/ فبراير المقبل، وستشارك روابط مولرلاوف من القرى المجاورة في الموكب وسيقوم أعضاؤها بارتداء الأقنعة والأزياء الخاصة به ويسيرون على أنغام الفرق الموسيقية النحاسية أمام آلاف المشاهدين الذين يتجمعون حتى لا تفوتهم هذه المناسبة. وفي ذلك اليوم يرتدي الرجال والصبية المشاركون في مولرلاوف أقنعة خشبية مصنوعة يدويا لها هدف رمزي وهو إبعاد فصل الشتاء والسماح للربيع بالقدوم، وهناك جزء مهم من المهرجان وهو " أبمولين " حيث يقوم شخص يرتدي قناعا بالتربيت بلطف على كتف متفرج في حركة رمزية لجلب الخصوبة والحظ السعيد. وتقود الموكب مجموعة من الساحرات ذوات الشكل المخيف اللاتي " يكنسن " الشتاء بعيدا بالمقشات التي يمسكنها في أيديهن، ويتبعهن شخص يطلق عليه إسم " كلوتزر " يسير وهو مغطى بقطع صغيرة من الأخشاب التي ترتطم ببعضها محدثة صوتا بهدف تخويف شياطين الشتاء، ثم تقوم مجموعة أخرى يطلق عليها إسم " ميلشرز " باستدعاء فصل الربيع عن طريق أداء رقصة على أنغام موسيقى منبعثة من آلة الأكورديون. ويقول جوزيف بوش من رابطة قرية ثاور لمهرجان مولرلاوف إن العضو في مجموعة " ميلشرز " ينبغي أن تكون له أذن موسيقية وأن يضبط إيقاع رقصه مع توقيت عازف الأكورديون، ويتفصد الرجال والصبية عرقا وهم يرقصون ويمكنك أن تسمعهم وهم يلهثون سعيا وراء نسمة هواء بينما تطل قطرات العرق من تحت الأقنعة لتبلل شعر رؤوسهم. أما أصعب دور في المهرجان فيتولاه شخص يطلق عليه إسم " شبيغلتوكسر " الذي يتقمص صورة الصيف، وهو يرتدي قناعا مزدانا بغزارة مثبت في منتصفه مرآة كبيرة، ويوضح صانع الأقنعة كريستيان بيتل أن قناع " شبيغلتوكسر " يمكن أن يصل وزنه إلى 12 كيلوجراما، ويحتاج حمله على الوجه إلى قوة بدنية، وينحت بيتل الذي يبلغ من العمر 53 عاما نحو 15 قناعا في العام من خشب الصنوبر السويسري، ويتطلب إكمال القناع الواحد نحو 12 ساعة. ويتميز كل قناع ينحته بيتل بتفرده في التعبيرات التي ترتسم عليه، ويتكلف شراء القناع الواحد 425 دولارا على الأقل ويمكن أن يصل سعره إلى 11 ألف دولار، غير أن شراء هذا القناع يعد بمثابة استثمار طويل الأجل لأنه بمجرد شرائه فإنه يبقى مع الشاري وأسرته مدى الحياة، وفي هذا الصدد يقول بيتل : " عليك أن تشتري قناعا واحدا طيلة حياتك وعندما تتوقف عن المشاركة في مولرلاوف فعليك أن تسلمه لابنك". وتلقى روابط قرى مارثا لمهرجان مولرلاوف إقبالا من جانب الأجيال الجديدة، بل إن القرويين الصغار سنا يحبون أن يمارسوا رقصة الوثبات المتهورة التي تعد جزءا من الموكب، ويقول روميد بيشلر الذي يبلغ من العمر 12 عاما إنه كبر وترعرع مع مهرجان مولرلاوف منذ أن كان في المهد وظل مشاركا نشطا في طقوسه منذ أن بلغ العام الثاني من عمره، ويحلم بيشلر مثله في ذلك مثل الكثيرين من أصدقائه أن يأتي اليوم الذي يضع فيه قناع " شبيغلتوكسر ". ويراود نفس الحلم كل من فابيان برايتو الذي يبلغ من العمر ثمانية أعوام وشقيقه ديفيد الذي يبلغ من العمر عشر سنوات، ويقولان إنهما يريدان مواصلة تراث العائلة حيث إن جدهما آدي يعد واحدا من أفضل حاملي قناع " شبيجلتوكسر " المعروفين في تيرول.