بعد الزلزال الأخير الذي ضرب هايتي .. وبسبب كثرة الضحايا وضعف الإمكانات لم يكن أمام فرق الإنقاذ غير مراقبة الذباب لتحديد مواقع الجثث تحت الأنقاض !! فالذبابة تعشق حالات التحلل وتشم رائحتها عن بعد وتتجمع على الأجساد العضوية بعد ساعات قليلة من وفاتها .. وهذه الميزة التي لا أعلم ماذا أطلق عليها جعلت من مراقبتها وقياس مراحل نموها وسيلة ناجعة في مسائل التحقيق الجنائي والطب الشرعي... ومن القصص التي تثبت عراقة هذه العلاقة وعلم الانسان بها أن مزارعا صينيا قتل بضربة منجل عميقه قبل ألفي عام . وعلى الفور جمع رئيس القرية المزارعين وامرهم بوضع مناجلهم على الارض وعدم الاتيان بأى حركة ؛ وماهى الا دقائق حتى تجمع الذباب على احد المناجل فعرف الزعيم انه منجل القاتل كون الذباب تجذبه رائحة الدم حتى بعد غسل أداة الجريمة !! ... واليوم أصبحت علاقة الحشرات (عموما) بالجريمة علما يدرس وتخصصا لا تستغني عنه الشرطة وتحول علماء الحشرات إلى خبراء أدلة جنائية... والفكرة هنا تعتمد على حقيقة ان أجساد المتوفين تتحول فور وفاتها الى مرتع خصب وبيئة ممتازة لجذب الحشرات وتكاثرها.. وبدراسة العلاقة بين الطرفين اصبح هناك مايعرف ببصمة الحشرات التى تؤخذ كدليل دامغ على جرائم القتل وإدانة المجرمين !! فمن الملاحظ مثلا أن الذباب يحط فوق جثة الميت فى الثلاث دقائق الاولى ويعمد لوضع بيوضه فى الفم والمناخير وثقوب الجسم النازفة.. وبعد وقت معلوم تتحول تلك البيوض الى يرقات تتعمق داخل الجسم بحثا عن الدفء والغذاء .. وبمقارنة مراحل التوالد والتكاثر مع الطقس والبيئة المحيطة يمكن استنتاج زمن الوفاة وتحديد موقع المتوفى !! والأمر في الحقيقة لا يقتصر على الذباب فقط لأن كل نوع من الحشرات قد يساعد في توضيح جانب من ملابسات الحدث.. فالنمل مثلا يأتي للجثة ليتغذى فقط على بيوض الحشرات ، والخنافس تنخر اللحم برسم مميز لتفقس فيه ، والبعوض لا يقدم على الجثة إلا وهى طرية ، واليرقات تلتهم اللحم الفاسد في هامش محدد ، وحشرة القراد تنتفخ من الشبع على مراحل.......وجميعها مراحل يمكن قياسها!! ... أضف لهذا يمكن للحشرات ان تنبئ عن طبيعة المكان والبيئة التي حدثت فيها الجريمة أو مات فيها الإنسان .. فعلى سبيل المثال هناك جثة وجدت فى تكساس اكتشف خبراء الحشرات انها قتلت فى غابات الينوي لان بيوض الحشرات الموجودة داخلها لا تعيش إلا في تلك المنطقة .. كما ادين قس بلجيكي بقتل زوجته لأن الخبراء وجدوا فى حذائه نملة عمرها ثلاثه ايام تعود إلى مستوطنة للنمل (وجدت جثة زوجته قربها) قبل ثلاثة أيام بالضبط .. وبالمصادفة وجد رجال الشرطه فى فلوريدا كميات كبيرة من الكوكايين لم يعرف مصدره ولا من اين أتى. غير أنهم وجدوا حشرة صغيرة ميتة فى احد الأكياس فاستدعوا احد الخبراء الذى حدد موطنها فى غابات الهندوراس. وفى قضية رابعة ادعى شاب انه وجد شقيقته منتحرة خنقا (من خلال ربط رقبتها بحبل ربط بنافذة غرفتها المفتوحة) ولكن بفحص الجثة لم يجد الخبراء أثرا للذباب مما دل على أنها خنقت في غرفة مغلقه النوافذ...فاعترف بقتلها...!! ... وهذه كلها بالإضافة لزلزال هايتي مجرد أمثلة توضح إمكانية تحول الحشرات إلى دليل إرشاد ووسيلة إدانة بمستوى بصمة الأصبع والحمض النووي وتقنية الاستشعار عن بعد!! ... ومن جهة أخرى لا يحب أحدكم أن تأكل الحشرات لحم أخيه ميتا مما يؤكد أن إكرام الميت في سرعة دفنه وحفظ جسده من الانكشاف !!