مع اتساع دائرة الاتصالات التقنية في هذا العصر زاد استخدام الناس لوسائل التواصل الإلكترونية فيما بينهم، وهذا ساعد على زيادة التواصل بين الأفراد والجماعات مهما باعدت بينهم الأمكنة ؛ فالشخص اليوم يستطيع أن يرسل النكت والتهاني العامة عبر الجوال لعدد كبير من الناس، ويرسل الإيميل الجماعي المدعوم بالصور والتقارير والأفلام لعدد هائل من المستقبلين. ونتيجة لذلك، قامت علاقات بين أشخاص افتراضيين ربما لايعرفون بعضهم إلا عن طريق الرسائل أو التعليقات التي تحملها بعض مواقع الحوار على الإنترنت. ومن يتابع بعض مواقع الحوار والمنتديات يلاحظ وجود علاقات سلبية أو إيجابية تجمع المشتركين في الحوار بأسمائهم الرمزية المستعارة التي يخوضون من خلالها النقاش وطرح الآراء. والحقيقة أن قيام تلك العلاقات يؤكد على سعة دائرة التواصل بين الناس بصرف النظر عن طبيعة ذلك التواصل. وبسبب ثورة الاتصالات التي صارت تحيط بالناس من كل جانب، بدأت تظهر على السطح شكوى من أن التواصل الذي حقّقته التقنية ربما يكون تواصلا شكليًا يفتقد الحميمية التي تحصل مع العلاقات التقليدية القائمة على الزيارات واللقاءات التي تجمع الناس والأحاديث الشفهية المتبادلة بينهم. ويبدو أن المتذمّرين من فقدان الحميمية، يقيسون الأمور من جانبين: الأول هو الشعور بأن رسالة التهنئة المرسلة لك عبر الجوال أو الإيميل مثلا هي في الحقيقة ليست خاصة بك وإنما هي مرسلة لعدد كبير غيرك، مما يفقدها الخصوصية التي ينتظرها الشخص ، والجانب الآخر هو ارتباطنا الثقافي بالجانب الشفهي في حياتنا، فالحديث المباشر واللقاء وجهًا لوجه وما يُصاحبه من تعابير جسدية وانفعالية تساعد على خلق تواصل حميمي لا تستطيع رسائل الجوال أو الإيميلات أو غيرها التعويض عنه. فبعض الناس يرون أن المكالمة الهاتفية، مثلا، غير عملية لكونها ربما تأتي في وقت غير مناسب أو ربما تجعل الشخص في مواجهة مباشرة مع شخص لايفضل التواصل معه مباشرة، وبسبب الهاتف صار عليه ضرورة التواصل معه؛ أو أن تجد نفسك ملزمًا بالتواصل مع شخص لاترتاح له ولكن بسبب صلة القرابة أو العمل تجد أن هذا الأمر مفروض عليك عرفيًا أو دينيًا أو نظاميًا. في حين أن الحديث المباشر يفتح فرصة كبيرة للصراحة خصوصًا إذا كان النقاش بين الطرفين يأخذ نهجًا تفاعلا يبني بعضه على بعض، وهو ما لاتستطيع فعله الرسالة التي تمثل جرعة واحدة منقطعة تلبي غرض التواصل الشكلي من خلال الإشارة إلى أن الشخص لم ينس صاحبه لكنها لاتتضمن بالضرورة صدق هذا التواصل أو عمقه. وربما يحاول البعض أن يتفنن في اختراع عبارات جذابة وأخرى غريبة في نص الرسالة، ولكن تبقى الرسائل متشابهة إلى حد معين في الإغراق بالمشاعر التي لا داعي لها، وبعضها يصل درجة تجعل الشخص المرسل يبدو وكأنه إما غير متوازن أو كاذب. وثمة جانب آخر يتعلق بتوفر سبل التواصل عبر التقنية بشكل كبير، وهذا ما فتح الباب على مصراعيه للتواصل بين الجنسين بشكل مفرط؛ فالشاب يتحدث مع الفتاة وهو يعرف أنها على علاقة بغيره. والفتاة تريد أن تزيد فرص نجاحها في اصطياد زوج افتراضي، رغم أنها تعرف أن هذا الشخص على علاقة بغيرها. والحقيقة أن هذا النوع من التواصل غير المتزن متوقع من مجتمع منغلق لم يتعوّد على التواصل الصحي بين الجنسين وحينما توجد فرصة للبعض، فإنهم يستغلونها بشكل سلبي. ومن هنا نلاحظ مساهمة التقنية في التقليل من الحميمية التي تتضمن الصدق والإخلاص بين الأصدقاء والأقارب، وربما ساهمت بشكل مباشر في هدم البيوت؛ وهذا لايقتصر على الخيانات التي هي نهاية المطاف. بل ربما كذلك كانت الإنترنت مصدرًا لمعلومات مغلوطة أو خطيرة عن كثير من القضايا كطبيعة العلاقة بين المرأة والرجل وعن تربية الأطفال وعن علاج الأمراض وغير ذلك مما ينشر فيها من معلومات. وإذا قام شخص يفتقر إلى الثقافة ويتزامن ذلك مع انعدام التفكير التحليلي والنقدي، فإنه ربما يقع ضحية معلومات يأخذها من الإنترنت أو من الرسائل ويعتقد بصلاحيتها فتعطيه نتائج عكسية..