كمدير تنفيذي في وزارة تهتم بالقطاع الخدمي وفي إدارة هندسية تقوم بتنفيذ مشروعات نوعية، أتساءل دوما عن الدور الذي يلعبه القطاعان الحكومي والخاص في بناء مستقبل مشرق لوطني المملكة العربية السعودية؟ وأتساءل دوما عن طبيعة هذه العلاقة، هل هي علاقة تنافسية أو معتمدة على الآخر أو علاقة تكاملية؟ مثل هذه الاسئلة تدور وأنا أرى هذا التوسع الهائل في الإنفاق الحكومي لتنفيذ البنى الخدمية والمعرفية في سبيل رخاء الوطن والمواطن. لقد بلغ الانفاق الحكومي في ميزانية هذا العام 1431/1432ه ما يزيد على 540 مليار ريال خصص منها ما يزيد عن 260 مليار لبرامج ومشاريع جديدة و137 مليار لقطاع التعليم، وهو الاعلى في تاريخ المملكة. و تدلل هذه المصروفات الضخمة بما لا يدعو للشك التوجيه نحو التنمية والاستثمار والبناء المعرفي، كما سينعكس ذلك إيجاباً على جذب الاسثمارات من الخارج إلى المملكة، فهل هذان القطاعان مستعدان لاستيعاب إدارة هذه التنمية الضخمة. ومن منظور عام، أصبح من الضروري بمكان أهمية الفهم المشترك والمتبادل وزيادة فرص التعاون بين هذين القطاعين، كما تبرز أهمية عمليات الإدارة الاستراتيجية وتفاعلاتها ودور صانعي القرار في هذين القطاعين. وعلى صعيد عملي الحكومي في تطوير وتصميم وبرمجة مشروعات ذات طابع خاص وعاجل بلغت في العشر سنوات الماضية مليارات الريالات، لازلت معتقدا بكثير من القضايا العالقة والساخنة بدون حل او تفكير في حلها ايضاً. و تبرز مشكلة ادارة التنمية والحاجة إلى التكامل بين المخططين والمنفذين كما ان ندرة المعلومات الاحصائية لبناء توقعات المستقبل وخصوصا في دراسات الجدوى وتصميم المشروعات وكذلك تطوير خبرات العاملين الإدارية واستباق علاج المشاكل قبل حدوثها من أهم الأمور. وتشهد البيروقراطية غير العملية على فشل كثير من الموسسات والمشاريع الحكومية. ويبرز التضخم الوظيفي المستمر و الاعتماد على الوظيفة العامة كمصدر اساسي للرزق و قضايا السعودة و تزايد العمالة الوافدة و المركزية الادارية و الازدواجية و غموض ادوار كثير من الادارات الحكومية، إضافة إلى ظاهرة التقلب وتغيير الاهداف للجهاز الواحد بشكل متكرر و متلاحق. وقد كشف مؤخرا عن قضايا الفساد المالي والاداري في بعض القطاعات الحكومية على هامش كارثة سيول مدينة جدة وما صاحبها من وفيات و اضرار مدنية جسيمة. و ان كنت بعيدا عن اجواء العمل الاداري في القطاع الخاص، الا انه يسهل للمتابع تبين الاعتماد الكلي لهذا القطاع على المصروفات الحكومية الى حد الافلاس احيانا في غياب الانفاق الحكومي على إنشاء المشاريع وعدم النضج الاداري لكثير من مؤسساته. و تتكرر الاسئلة عن ماذا علينا فعله في القطاعين العام والخاص للتعامل مع الاوضاع الراهنة والقضايا العالقة، وما هو الاسلوب الاستراتيجي الامثل لتحقيق التكامل بين هذين القطاعين وزيادة التنافسية بينهما لتحسين الخدمة والاستخدام الامثل للموارد. هل نحن بحاجة إلى توظيف جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية في إعداد البحوث والدراسات الذي يحتاجه القطاعان ومراجعة معايير تقييم مستوى تنفيذ الخطط والبرامج وبيان الفائدة منها، إذ ليس من ضروري الحصول على خطط ومشاريع ذات جودة في حالة زيادة حجم المصروفات. هل نحن بحاجة إلى تنظيم القطاعات العامة في الدولة ودمج الجهات ذات الاهداف المتماثلة وتحديد المسؤوليات والصلاحيات لكل وظيفة ومحاسبة الموظف على عدم القيام بمهامة وتبسيط الاجراءات للحد من الفساد المالي والاداري في القطاع الحكومي. واذا كان من ضمن الاهداف الرئيسة للدولة تنمية القطاع الخاص وجعله معتمداً على ذاته، فهل لازالت القروض والمعونات المقدمة للقطاع الخاص هي الحل، او الدخول في شراكة حقيقية بين القطاعين يقوم فيها القطاع الحكومي بتطوير وإنشاء البنى التحتة والاساسية ويقوم القطاع الخاص بالتشغيل و الادارة. ماذا عن الاستثمار في التدريب التطبيقي والمهني وانشاء مراكز للتدريب الاداري والهندسي وتاهيل خريجي الجامعات واعادتهم لسوق العمل حسب حاجة القطاع الخاص و سعياً وراء السعودة المنظمة والحد من العمالة الوافدة. هل حان الوقت لتحويل الموسسات الحكومية ذات الطابع التجاري إلى القطاع الخاص والتدرج في ذلك ضماناً للتأكد من قدرة استيعاب القطاع الخاص هذا التحول. او هل الحل يكمن في زيادة الانفاق او هل نحن فعلا بحاجة الى خارطة طريق حلا لمشاكلنا. كثيرة هي الاقتراحات وأغلاها ما سطره ولي الأمر الملك المفدى للوزراء، فهل نستبين أمرنا او نتركه حتى ضحى الغد. *وزارة الشئون البلدية والقروية [email protected]