صبيحة يوم الأحد 20 ذي القعدة 1430ه الموافق للثامن من نوفمبر 2009 فقدت قبيلة شمر واحداً من شيوخها الأجلاء، وهو المرحوم الشيخ عبدالله الحميدي الجربا، بعد معاناة طويلة مع مرض التهاب الرئة، وقد وافته المنية في المستشفى التخصصي، ثم نقل للصلاة عليه في جامع الراجحي، وغص مجلس العزاء في الرياض بالناس من مختلف الشرائح والفئات، حباً ووفاءً لهذا الرجل المفضال وعرفاناً وتقديراً لهذه العائلة الكريمة، فصرت ترى الدموع تنهمر والألسنة تلهج بالدعاء وطلب الرحمة، وبالثناء على الفقيد وتعداد مآثره. ويشهد له جميع من عرفه - أمام الله والناس - بأنه لم ير يوماً من الأيام قد أذى أو تعرض أو انتقد أحداً من الناس كافة، بل كان يترك ما لا يعنيه، ويتنازل عن جميع حقوقه لمن حوله دون استثناء كما اتصف رحمه الله بالتواضع فلم يكن منشطاً أو ناقداً، بل كان معروفاً بدماثة الأخلاق والأفعال الحسنة طيلة حياته، مع من عرف ومن لم يعرف، كما اشتهر بخلق رفيع آخر هو الكرم في أخلاقه وماله، فكان لا يسعد إلا بوجود ضيف لديه، منذ القدم. ورغم شظف العيش في بعض الأيام، كان مضيافاً للجميع، يجود بكل ما لديه لضيوفه. وأبوه هو الأمير الحميدي بن فرحان بن صفوق المحزم بن فارس آل جربا أصغر أبناء الشيخ فرحان باشا الستة عشر. وعندما طلبت السلطنة العثمانية من كل قبيلة واحداً من خيرة شبانها للابتعاث العلمي، اتفقت شمر ان يكون الحميدي هو المبتعث عنهم، برغم صغر سنه بالقياس إلى اخوته، وذلك لذكائه الثاقب وورعه وتقواه، فذهب إلى الأستانة (اسطنبول) ودرس هناك في مدارس ابناء السلاطين، فكان زميله على مقاعد الدراسة الملك فيصل - ملك سوريا فالعراق فيما بعد - ثم تخرج برتبة ضابط، ولما توفي والده أتفقت شمر على ان يصبح الحميدي شيخاً للقبيلة، لتقواه وعدله وعطفه على الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل، فهو يحفظ القرآن وصحيحي البخاري ومسلم، ويقوم الليل، ويصوم يومي الاثنين والخميس من كل اسبوع. فكان بالفعل فقيهاً في الدين، رحيماً بأبناء قبيلته، يحثهم على طلب العلم وعلى التآخي، ووطنهم ووشجعهم على الاستقرار. وكان شجاعاً مقداماً فطوع أغلب قبائل العراق تحت لواء شمر، ولقب بالأمير الحميدي ومنح من الأنواط والأوسمة ما لم يمنح مثله أي شيخ من القبائل الأخرى، ومنح رتبة الباشوية فسمي الأمير الحميدي باشا. وعندما انسحب الجيش التركي انسحب معه الأمير واشقاؤه. وكان الشيخ عبدالله من الذين خدموا أهل نجد وأهل العراق وقبائل الشمال في الكويت، أيام وجوده بين أعوام 1960 و1970، عندما فتحت هذه الدولة باب دخول السلك العسكري، ويشهد عارفوه من شمر وسواها، في الكويت والسعودية، بما كان يتمتع به من شيمة ونخوة وتواضع وسعي في قضاء حاجة كل من يقصده طالباً المساعدة. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.