إبان فترة نهاية الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي، وأوائل الستينيات كان أحد الأفاضل يعيش في مدينة عنيزة. عُرف عنه رحمه الله سعة علمه بالسياسة لكثرة أسفاره، وإقامته الكثيرة والمتقطعة في البصرة بالعراق واختلاطه بثقافات القوم هناك، والأحزاب واليسار واليمين. وقرأ واحتفظ بمطبوعات تدور حول أحداث وساحات المرحلة. وكانت لديه آراء متطرفة حول بعض المجريات. فكنا، ونحن آنذاك في مراحل متوسطة وثانوية من دراستنا، نميل إلى المعسكر الاشتراكي، والاتحاد السوفييتي، ونقف معه دون حدود، خصوصا بعد " الإنذار الروسي " لقوات غزو مصر عام 56م بإيقاف إطلاق النار والانسحاب. كذلك كان الاتحاد السوفييتي أول من أرسل قمرا صناعيّا للدوران حول الأرض وأول من أرسل إنسانا إلى الفضاء (غاغارين). إلا أن كل هذه المنجزات لم تكن لتُقنع ذلك الفاضل. وكان يقول لنا: إن الاتحاد السوفييتي وَهْمٌ . ! . ولا وجود له أصلا . هناك فقط قوم يسمّون " المسقوف " – والقول له – جعلهم الغرب بعبعا لتخويفنا .. ! وساعدتهُ (ساعدت الغرب) منظمات يهودية قوية جدّا. كي تجعل العرب يميلون إليه، ويُصدّقون بعظمته وقوته وقدرته على مساعدة العرب ضد العرب ضد اليهود إذا هم تبنّوا الاشتراكية وركنوا إلى حكم الأحزاب الشيوعية. بعد ذلك – ولا يزال الرأي والحديث لصاحبنا - تأتي إسرائيل (الضعيفة آنذاك) إلى الغرب وتقول : هاهم العرب انظموا إلى المعسكر السوفييتي الشيوعي، فمن يجيرنا ؟ (هذا قول إسرائيل لأمريكا) فتنصاع أمريكا وتُغدق المال والسلاح وتعهدات الحماية والرعاية. وتضع أمام أمريكا عقدة خوف بأن السوفييت زائدا العرب بنفطهم واستراتيجية موقعهم سيشكلون خطرا لا على أمريكا وحدها بل على الحضارة الغربية. وتستمر الرعاية الغربية لإسرائيل وتزداد. ثمّ، وبعد أن تقف الدولة العبرية على قدميها، تُدير الصهيونية لولبا (هكذا) وينهدّ الستار الحديدي ( الموهوم ) ويعود الكلّ إلى ( داره ) ويبحث العرب عن النصير ولا نصير، والسلاح فلا سلاح . كنا نقول لذاك الفاضل: ياعم ، أو يا أستاذ الاشتراكية عمق إيديولوجي.. أممي، شعبي.. ضرورة.. مصير، وليست فقط دفاعا وسلاحا وجيوشا. وكان يرحمه الله يردّ بكلمتين: هيّن.. تشوفون. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار الجدران قلنا في داخلنا: أتظنون الشيخ أبو ( ... ) نوستراداموس عربي ؟.