في أواخر القرن الثاني الهجري نقل العرب والمسلمون مصنعاً للورق من الصين مع بعض خبرائه وتدربوا عليه حتى أنشأوا أكبر مصانع للورق في العالم زمن هارون الرشيد، وكان الأساس في بناء بيت الحكمة زمن المأمون وترجمة العلوم والآداب والفلسفة، مما وطن التقنية السائدة آنذاك في العالم العربي والإسلامي.. الآن لدينا شركات مساهمة ضخمة بعضها عابرة للقارات كسابك والاتصالات والتصنيع وبعض البنوك، ومع ذلك لازلنا ننقل التقنية نقلاً ولا نوطنها، وفرق شاسع بين النقل والتوطين، الأول يرحل مع الناقلين (الشريك الأجنبي)، والثاني يبقى مع المواطنين ويتوارثونه ويطورونه جيلاً بعد جيل.. إذن المطلوب من شركاتنا الكبرى إلزام الشريك الأجنبي بتدريب السعوديين على التقنية المتقدمة التي تُدار بها حالياً مصانع سابك والتصنيع والمجموعة السعودية والاتصالات وصناعة المصارف، فتعلُّم الصيد هو المصدر المستمر للرزق وليس الاعتماد على من يقدم لنا سمكاً كل يوم، وأيضاً سمكاً مشوياً أو مقلياً جاهزاً للأكل.. إن القطاع الخاص في العالم المتقدم هو الذي وطن التقنية في تلك البلدان وطورها بما يخصص من مبالغ طائلة للبحث العلمي والتدريب، مدعوماً بمناهج تعليمية مواكبة لمتطلبات السوق والنمو وتطورات المستقبل.. إن ما يصرف على البحث العلمي في الدول العربية مجتمعة أقل من ربع ما يصرف في إيطاليا وحدها، وأقل مما يصرف في إسرائيل مع الأسف، وشركاتنا طاب لها أن يقوم الشريك الأجنبي ببناء المصانع المتطورة تقنياً وتشغيلها وتحقيق الأرباح للشركاء ولكن هذه التقنية العاملة لدينا لا تزال تشبه الجزر المعزولة المجهولة يديرها أجانب يشاركهم ندرة من السعوديين دون خطة شاملة للإحلال الكامل وتوطين التقنية داخل المملكة خلال سنوات محددة، بما في ذلك توطين تقنية تحلية المياه التي نحن أشد البلدان حاجة لها وأكبر البلدان استهلاكاً لها، ومع ذلك لا نصنع قطع غيارها، فضلاً عن محركاتها الكاملة، كما أن تشغيلها لا يزال يعتمد على الأجانب في شقه التقني، وكذلك مصانعنا الضخمة التي نفتخر بها، وسوف نفخر بها حين نكون قادرين على صنع قطع غيارها وتدريب أبنائنا على بنائها وتشغيلها وصيانتها وتطوير إنتاجها، فتوطين التقنية هو القوة الذاتية أما مجرد الحصول على أرباح ورقية فإنه لا يبني الإنسان المنتج القادر على الابتكار ولا يضمن استمرار الأعمال والأرباح ومنافسة العالم في عصر تحكم فيه المنافسة قبضتها ونعتمد نحن في مواجهتها على رخص المواد الخام (اللقيم) الموجود في أرضنا (بما في ذلك محاجر مصانع الإسمنت) وليس على كيفية تعليم أبنائنا وتدريبهم وجعلهم هم رأس المال الحقيقي.. إن اليابان.. سويسرا.. وألمانيا.. لا خامات تُذكر لديها ولكنها أغنى من كل دول النفط بأضعاف، لأن التقنية مستوطنة في عقول أبنائها وتتطور جيلاً بعد جيل.