أبدى الدكتور زحمد أوغلو وزير الخارجية التركية اسفه لعجز الأممالمتحدة عن حلّ العديد من الأزمات السياسية العالمية مرجعاً هذا العجز الى عدم تطوير ميثاق الأممالمتحدة رغم انتهاء الحرب الباردة. وقال: "للأسف لم يحدث أي تغيير في آلية عمل المنظمة ولا في قوانينها" واضاف: "حتى القرارات التي اتخذت لم تتم متابعتها ولم تعكس حجم التغييرات التي طرأت على الخارطة العالمية مشيراً الى أن التسعينيات شهدت عدة ازمات ونزاعات إقليمية مثل ازمة البوسنة وازمة كوسوفا وازمة ناغورني-كرباخ (بين أذربيجان و أرمينيا) وكذلك ازمات في الشرق الأوسط مما دعا الوزير التركي إلى تسميتها بحقبة وقف اطلاق النار". جاء ذلك خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الدكتور اوغلو صباح امس بقصر المؤتمرات بالرياض والذي اعتبر وزير الخارجية التركية فيه أن الألفية شهدت تطوراً في هذه الأزمات الإقليمية لتأخذ شكل الأزمات الدولية مثلما يحدث في أفغانستان والعراق حيث ان لهاتين القضيتين تأثيراً عالمياً . اما على الصعيد الاقتصادي فقد اوضح اوغلو ان الألفية شهدت ازمات اقتصادية كبرى مضيفاً ان "العالم اليوم بحاجة الى إصلاح اقتصادي مثلما هو بحاجة الى الإصلاح السياسي وكذلك الحال على الصعيد الثقافي حيث يواجه العالم ازمات هوية مثلما حدث في يوغوسلافيا من بعد تقسيمها وما يحدث الآن في العراق الذي يشهد انقسامات على الهوية الدينية ( شيعة وسنّة ) والعرقية (عرب واكراد وتركمان) وخلافهم" . وعودة الى الشرق الأوسط فقد أبان الوزير التركي ان المنطقة في قلب الأزمة السياسية بدءاً من القضية الفلسطينية التي لم يتم حلها حتى الآن وكذلك الحال في العراق واليمن وبالنسبة للوضع الاقتصادي يمكن القول (بحسب أوغلو) بأن الشرق الأوسط بالرغم من ثراء موارده الا انه لم يحتل مكانته وسط الكبار باستثناء المملكة وتركيا اللتين تتمتعان بعضوية مجموعة الدول العشرين. وحول ردَّات الفعل تجاه الأزمات في الشرق الأوسط اوضح الدكتور اوغلو ان ردة الفعل الأولى تمثلت في فقدان سكان الشرق الأوسط الثقة في انفسهم مما ولَّد في نفوسهم شعوراً بالإحباط والكآبة وفقدان الأمل اما ردة الفعل الثانية فقد تمثلت في رفع شعارات سياسية مغرقة في المثالية صورت كل هذه الأزمات في المنطقة على انها نتاج للاستعمار والإمبريالية الغربية مشيراً الى ان الغرب ساهم الى حد ما في هذه الأزمات متسائلاً: "هل نحن غير مسؤولين عن هذه الأزمات ولم نساهم في صنعها؟ ألا نتحمل مسؤولية تجاهها؟" ومضى قائلاً: "هذه منطقتنا ونحن معنيون بالدرجة الأولى بحل مشاكلها ومطالبون بأن لا نفقد الأمل في الحل وعلينا ان نتحلى بروح المسؤولية والثقة بالنفس". وعن الدور التركي في ذلك أوضح الدكتور احمد ان "موقع تركيا الجغرافي يحتم عليها التحرك في كافة الاتجاهات فجزء منها يقع في أوروبا والآخر في آسيا لذا فلا بد لتركيا أن تكون عينها مفتوحة على الوضع في أوروبا وكذلك في آسيا ومثلما لتركيا وضع جغرافي خاص يحتم عليها التحرك في محيطها الأوروبي والآسيوي فكذلك لها تاريخ خاص ومسؤوليات تاريخية ايضاً تستدعي منها التفاعل مع كل قضايا الدول المحيطة بها. و ضرب الوزير مثالاً بغزة التي وصف ما يحدث بها بأنه امر لا يمكن السكوت عليه وقال: "عندما أثرنا هذا الأمر في المحافل الدولية وصفنا بأننا اكثر فلسطينية من الفسلطينيين انفسهم فالقضية ليست قضية عرب او فلسطينيين ولكنها قضية انسانية في المقام الأول وما نحاول تحقيقه هو العدالة" واستطرد: "في عام 2003 عندما كنت مستشاراً لرئيس الوزراء اعلنت في حديث تلفزيوني عن الحاجة الى إرساء حدود جديدة لسياسة تركيا الخارجية تقوم على مبادئ من بينها الحرية والأمان والتي يجب على كل نظام سياسي تحقيقها". وشدد الوزير التركي على ان بلاده ترفض سياسة الاستقطاب في المنطقة والقائمة على الصراع بين المذاهب الدينية وترفض كذلك سياسة الهيمنة وان تحاول دولة واحدة فرض سيطرتها على دول المنطقة وقال: "علينا كدول للمنطقة احترام بعضنا البعض وليس هناك دولة كبرى او صغرى فالجميع سواسية لهم ما لهم من الحقوق وعليهم ما عليهم من الواجبات فنحن نعيش في منطقة واحدة وهي مثل البيت الواحد ولا يمكن لأحد ان يدعي تزعمه لها". اما عن سياسة تركيا تجاه دول المنطقة فقد اوضح اوغلو انها سياسة تتسم بالتوازن ومعاملة جميع الدول على قدم المساواة وتركيا لا تحابي دولة على حساب اخرى ولا تعطي معاملة تفضيلية لهذه الدول دون تلك فالجميع سواسية ويستحقون الاحترام. وعن العلاقات السعودية التركية قال انها مهمة وهناك الكثير من اوجه الشبه بين سياسات المملكة وتركيا،كما وأن هناك ثلاثة مستويات للعلاقات السعودية التركية الأول ثنائي وهي علاقات ممتازة فقد قام خادم الحرمين بزيارة تركيا مرتين خلال العامين الماضيين وقام رئيس الوزراء التركي بعدة زيارات للملكة كما ان الرئيس التركي زار المملكة مرتين خلال عام 2009 .وأثنى اوغلو على العلاقات الاقتصادية مع المملكة وقال انها تسير سيراً حسناً حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 5،5 مليارات دولار معبراً عن طموحه في زيادة ذلك التعاون. أما على المستوى الثاني للعلاقات فقال إنه اقليمي وفي كل القضايا الإقليمية تطابقت وجهات نظر المملكة وتركيا وساندت تركيا مبادرة السلام العربية التي اطلقها خادم الحرمين وهي مبادرة عادلة ومنصفة وممكنة التطبيق ولهذا ساندتها تركيا ودعمتها عن قناعة تامة وفيما يخص القضية الفلسطينية تنظر تركيا بعين التقدير والإعجاب للدور الذي تلعبه المملكة تجاه القضية الفلسطينية ولا أدل على ذلك من قيام المملكة بدعوة الفرقاء الفلسطينيين (فتح وحماس) للقاء على أرضها وتحت رعايتهما مشيراً الى انه بدون الإجماع الفلسطيني لا يمكن تحقيق شيء على ارض الواقع اما بالنسبة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي فقال الوزير: "نحن نشاطر المملكة رؤيتها ونؤيد قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 ويجب وقف عمليات بناء المستوطنات في القدس والضفة الغربية والمحافظة على الإرث الثقافي لمدينة القدس بدون تغيير ويجب على إسرائيل احترام القدس والمسجد الأقصى وان تكف عن محاولاتها في تغيير هوية القدس وبالنسبة لنا لا يمكن المساومة على هذه القضية".و اكد الوزير التركي مشاطرة تركيا للمملكة رؤيتها في جميع القضايا العربية حيث تعاون البلدان لحل ازمة لبنان،أما في العراق فإن تركيا تثمن الدور السعودي الفعال في تحقيق الأمن والاستقرار وكذلك تطابقت الرؤى بينهما حيال أفغانستان واليمن ولا بد من حل المشكلة في اليمن داخل الحدود الإقليمية في اطار وحدة اليمن السياسية والجغرافية قال أوغلو: "لا نريد أي توتر آخر في منطقتنا ونفضل التعايش السلمي بين كافة الطوائف في اليمن". اما المستوى الثالث من العلاقات الدولية فقال إنه اختص بالقضايا الدولية فالمملكة وتركيا اعضاء في مجموعة العشرين وهناك تعاون وعلاقات واتفاقيات كبيرة بين تركيا والسعودية مشيراً الى ان للمملكة مكانة خاصة في العالم الإسلامي كذلك احتضنت مبادرة الحوار بين الأديان في اطار الجهود التي تبذلها لتحقيق السلام في العالم مؤكداً ان تركيا ليست لها اطماع توسعية او تسعى للهيمنة او حتى طموحات للتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين او التأثير عليها وقال: "نحن نخدم كل دولة من دول منطقتنا ونرغب في تطوير العلاقات السياسية مع الجميع وسوف نستمر في اتباع هذه السياسة لتحقيق المزيد من التعاون لصالح شعوب ودول المنطقة" واضاف "نريد منطقة خالصة لشعوبها ونريد حل جميع قضايانا من داخل المنطقة ونحن في تركيا ليس لدينا اجندة خفية او سلبية وهذا مبدأ مهم" و أكد ان بلاده سوف تواصل سياستها الايجابية في المنطقة وتأمل في ان تحقق ما تصبو اليه شعوب المنطقة وهي سياسات متوازنة وتقوم على احترام سيادة الجميع وعدم التدخل في شؤون لدول المنطقة وقال اوغلو: "لقد اعلنت تركيا استعدادها للتوسط بين سورية واسرائيل في حال عدم موافقة الطرفين على عقد محادثات مباشرة وقد اعلنت سورية رسمياً رغبتها في ان تقوم تركيا بجهود الوساطة وموقف تركيا واضح ومتناغم ولكن المشكلة في اسرائيل فهناك اصوات مختلفة فالبعض يريد محادثات مباشرة والبعض الآخر غير مباشرة وهناك فريق ثالث لا يريد أي محادثات فبالنسبة لنا الوساطة ليست غاية في حد ذاتها ولكنها وسيلة والغاية هي تحقيق السلام وإذا كان الطرفان مستعدين للمساعدة فالقرار يرجع لهما وسورية اعلنت استعدادها للمواصلة من حيث انتهينا" وشدد على أن بلاده لن تغير من موقفها من الوضع الإنساني في المنطقة ولا ترغب في رؤية مأساة ثانية في غزة كما وأنها لن تسكت على مثل هذا الوضع من اجل الوساطة وستقف ضد الاعتداءات الإسرائيلية. وفي معرض رده على سؤال ل "الرياض" عن إمكانية تراجع تركيا عن علاقاتها مع اسرائيل لحد القطيعة قال: "هذا الأمر يعتمد على سياسة اسرائيل اذا احترموا إخواننا الفلسطينيين واحترموا حقوق اهل غزة والمسجد الأقصى وإذا قرروا العمل من اجل قيام دولة فلسطينية مستقلة فسوف نقوم بإعادة تقييم علاقاتنا مع اسرائيل ونعود الى ما كنا عليه من قبل عندما توسطنا بين اسرائيل وسورية". وفي سؤال آخر ل"الرياض" حول طبيعة الدور التركي في ملف إيران النووي قال: "نحن نعتقد بأن لجميع الدول الحق في اقتناء الطاقة النووية للأغراض السلمية فالتقنية ليست حكراً على دولة محددة او منطقة وتعلمون مساهمة العلماء المسلمين في العلوم والتقنية وفقاً لمعايير وأحكام وكالة الطاقة الذرية ولكن في ذات الوقت لا نريد الأسلحة النووية فهي ضد الإنسانية أينما وجدت" وطالب الوزير التركي بحل قضية إيران النووية من خلال السبل الدبلوماسية وليس عن طريق التدخل العسكري او فرض العقوبات الاقتصادية خاتماً كلامه بالقول: "علينا العمل بكل جد واجتهاد لحل هذه القضية".