بشكل عام، تضافرت أسباب الفساد والإفساد والنتيجة واحدة، وبشكل خاص نفتقد إلى الجوهري من الإبداع والثقافة والأخلاق والضمير..، وهذا بصورة طبيعية يؤدي إلى تسيّد الضفادع في مستنقعات السخافة، وإلى تسرطن الشللية، وإلى الحضور الباطل لمافيات الارتزاق، وانفلونزا المتطفلين، وتناسلات غير المناسب في الصحافة والثقافة، وإلخ.. وبذلك، لا مانع لدى هؤلاء وأشباههم في المزيد من الادعاء والزيف والنفاق لتحقيق غايات الأسافل، والمصالح الذاتية والشخصية، التعاوضية، والتبادلية، على حساب المبدأ الأعلى "الثقافة الفاعلة"، وغالباً، ما يكون "جحا وأهل بيته عرساً"! ففي جوائزنا قد يكون الواحد منهم خصماً وحكماً في ذات اللحظة، وبالضرورة، من يكون في لجان التحكيم فيما إذا كان هناك ما يسمونه "لجان تحكيم" فإنهم من هؤلاء المستحاثات، النكرات، المزورين للشهادات والحق والجمال، والمزورات، فكيف سيهمهم النص الإبداعي الملفت؟ المميز؟ المضيف؟ اللا مألوف؟ إنهم لن يستطيعوا قراءته أولاً! فكيف سيصلون إلى معاييره الرؤيوية الجمالية؟! ما ينطبق على الجوائز، ينطبق على الدعوات للأمسيات والندوات والمهرجانات، إذا دعوتني أدعوك وإلا لا مصلحة لي معك حتى لو كنت "هوميروس"! ولمزيد من الفساد الفائض، لا بد لأن يعجب بك "جهابذة" هذا الزمان أن تعري وتتعرى لا سمح الله، أن تسب القيادات والأنظمة، أن تبتلي مجتمعك العربي، أن تمجد في الآخر الغربي! أن تشجع على التحلل لا التحرر العقلي والروحي وإلخ! العقل الذكوري بسوداويته البائدة وعاداته المظلمة وتقاليده التابوتية يصفق لمن يثير الغرائز، ويحقق حالة من الهياج والهيجان القطيعي على مختلف صعد الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية ولن أضيف الأخلاقية لأنه لا توجد قيم، بل ما يسود هو اللا أخلاقيات! ونتيجة لذلك، ليس لدينا جوائز هامة، كجائزة نوبل مثلاً.. وهنا لا أشير إليها لأنها ليست عربية، بل لنتساءل: لماذا؟ لأنها تحترم ذاتها أولاً، كما تحترم موقف النص والشخص: النص المختلف جمالياً، ومبدعه الذي يعكس قيماً غير متذبذبة تضيف للأدب والحياة، وخاصة في سنواتها الأخيرة، ولا أظنها كما يشاع صهيونية مسيسة وإن بدت كذلك لفترة ما، ثم راجعت نفسها بطريقة نقدية بناءة كما انتقد نوبل نفسه بعد اختراعه الديناميت (النار) بمعنى ما، وتم توظيف اختراعه للإجرام والقتل، فانتبه إلى أخطائه وحاول أن يعيد لروحه جزءاً من الطمأنينة من خلال وصيته التي كانت هذه الجائزة! ما يحدث غالباً، وفي أغلب الجوائز العربية، تراجع واضح في القيم الضمائرية، الانهيار الثقافي والمصداقي للجان التحكيم التي (يميزها) و(بشدة): المزاج لا المعيارية، القرابة والمعرفة والوساطة، لا جماليات النص ومواقف الشخص مبدع النص، اتفاق بعض أعضاء اللجان على (رقم معين) أو (أرقام معينة) لنصوص المسابقة، من أجل إعطائه الجائزة، وهذا، غالباً، ما يجري وراء الكواليس، خاصة إذا كان (صاحب رقم النص) أو (صاحبة الرقم) من الأفراد المهمين لأحد أعضاء اللجنة، فهذا يتفق مع ذاك على (تفويز) الرقم الفلاني، مقابل أن يرد له عضو اللجنة الآخر (الجميل) فيعطي العلامة الأعلى للرقم المطلوب، وكل هذا وأكثر منه يجري من وراء الكواليس طبعاً، ويصبح (التدليس) سيد الجائزة و(إبليس) بوصلتها الاعتيادية! وهناك جوائز لا تتغير لجانها، أو تتشكل من لجنة عبارة عن مرتزقة لا تفقه شيئاً إلا تبادل المصالح، ولذلك، لا تعلن أمثال هذه الجائزة عن أسماء لجنة تحكيمها، الأسماء الثابتة، التي تلعب في الخفاء! وهناك، جوائز يتفق أعضاء لجانها، أو عضو منها، على محاصصة مالية ما مع الفائزين مثلاً! وهناك جوائز أخرى باسم الأدب والإبداع، تدس السم في الدسم، وتشجع على (اللا أدب) و(اللا إبداع).. فتستغرب كيف فاز هذا الكتاب الذي يسمونه رواية مثلاً، أو شعراً، أو قصة، أو ..إلخ..، وهو بكل هذا التسطيح الكتابي والعفونة الأخلاقية التي تسجل للقارئ فيلماً (جنسياً) مثلاً بمنتهى السوء والسوءات وقد يتفوق على ممارسة الحيوانات بحجة تجاوز المحظورات التي يدخلون فيها إلى الحظيرات بشعور ولا شعور! الابتذال، اللا مصداقية، السبّ والتجريح والإيذاء والانحراف لا النقد، والحقد، والغرائزية، وتحطيمات عن سبق الإصرار والجهل والتصميم لما بقي من جمال سلوكي وأخلاقي وإنساني ومخيلتيّ، كل ذلك يشكّل السمات العامة المعاصرة لغالبية الجوائز العربية..! وبالمقابل، هناك جوائز عربية قليلة جادة، يهمها الإبداع والإنسان، لأنها تحترم نفسها، وتصر على الانوجاد كضوء في ظلام دامس، دامس، دامس.. وتكافح من أجل كلمة، طيبة، مختلفة، تبني الروح الإنسانية، وتساعدها على تزكية نفسها والله خير من زكاها، وتصر على احتمال الأمانة والمسؤولية بصبر وعناء وتضحية وتأسيس لمرحلة جديدة مفيدة، تضيف إلى الأدب العربي والعالمي ما لا يعرفه، مدافعة عن بصيرتها وكينونتها الإنسانية وقيمها الجمالية أخلاقاً وإبداعاً وحضارة ورؤيا. وأخيراً، أقول كما قال أحد المتصوفة: من لن يفهم إشارتنا لن تسعفه عبارتنا. ولا غاية لنا سوى توجيه الإشعاع الحدسي على الغارقين، المغرقين بكسر الراء وفتحها في الظلام، لأن ما يهمني أزلاً وأبداً، هو امتداد حضارتنا العربية والإسلامية التي أشرق العالم بإبداعها الأخلاقي والأدبي والعلمي، ولمن لا يصدق أن يسأل الثورة المعلوماتية عن الخوارزميات، والمستشرقين عن ابن عربي، وهارون الرشيد وسيف الدولة الحمداني والمتنبي وأبي فراس الحمداني وسواهم الكثير، والذين لم ينالوا جائزة نوبل بالتأكيد، لكنهم نالوا جائزة الإبداع الكوني الإنساني الذي أضاف للروح والعقل والأزمنة والأمكنة ما لم تتوقعه حتى الأبدية! إذن، لا تهمني الجوائز بكل تأكيد، لأنني مقتنعة، حتى في قبري، بأن ما عند الله خير وأبقى، وما عليّ إلا أن أؤدي رسالتي الكونية ريثما يسترد الله تعالى الأمانة، وعليه، متى ستقتنع الجوائز (العربية، وغير العربية) المائلة عن الموضوعية الإبداعية الإنسانية، بأن كل ما عليها فان، وبأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض وأما الزبد فيذهب جفاء؟