التبيين مصطلح وضعته لظاهرة إسقاط الواو في بعض جمل القرآن التي تحدث عنها عبدالقاهر الجرجاني ، ومن هذا القبيل " الم ذلك الكتاب لا ريب فيه " ( سورة البقرة 1و2 ) و " إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " ( البقرة 6و7 ) وهو يعلق على ذلك قائلا : " " لا يؤمنون تأكيد لقوله " سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم " ومنه " وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا " ( لقمان 7 ) وهو يقول هنا جملة " كأن في أذنيه وقرا " لم تأت معطوفة على جملة " كأن لم يسمعها " لأن التشبيه بمن في أذنيه وقرا هو بعينه التشبيه بمن لم يسمع ، ويضيف إلى ما سبق " ومن اللطيف في ذلك قوله تعالى : " ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم " ( سورة يوسف 31 ) وذلك أن قوله " إن هذا إلا ملك كريم " مشابك لقوله " ما هذا بشرا " ومداخل في ضمنه من ثلاثة أوجه وجهان هو فيهما شبيه بالتأكيد ووجه فيه شبيه بالصفة " ( دلائل الإعجاز 277 تحقيق محمود محمد شاكر " على أن هناك حالات كثيرة تسقط معها الواو لم يذكرها عبدالقاهر كالتبيين أو البدل ومنه قوله تعالى " واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون ( الشعراء 131 ) أمدكم بأنعام وبنين ( 133 ) وجنات وعيون " ( 134 ) وهنا بدل جملة من جملة يفيد التحديد أي ماهية الشيء الذي أمدهم به ، وتسقط الواو في حالات الايضاح والتعليل من مثل " لن نعبد من دونه إلها لقد قلنا إذاً شططا " وفي هذه الحالات غالبا ما يستخدم المفعول لأجله من مثل " يجعلون أصابعهم في آذانهم حذر الموت " ( البقرة 19 ) وتسقط الواو أيضا في حالات وصف العاقبة التي تتحدث عنها الجملة أو الجملة السابقة من مثل " ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران العظيم " ( الحج 11 ) فخسر الدنيا والآخرة هو وصف لمآل من ينقلب على عقبيه ، وهناك وصف للخسران غير مسبوق بواو ، وكل هذه الحالات كما قلت وضعتها تحت مصطلح الإبانة ، وهذه الظاهرة توجد في الشعر : إن أخواننا الأراقم يغلو ن علينا في قيلهم إحفاء الاحفاء يؤكد يغلون ، والبيت للحارث بن حلزة ، ومنه قول أمرئ القيس " وهل ينعمن من كان آخر عهده ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال وهنا تكرار فثلاثون شهرا هي ثلاثة أحوال ، ومنه قول امرئ القيس : إذا قامتا تضوّع المسك منهما نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل هنا ايضاح أو تبيين ، والمصدر نسيم الصبا يؤدي وظيفة المفعول المطلق ، ولهذا جاءت نسيم منصوبة ، والواو تسقط في الشرط والجزاء : ومن لم يصانع في أمور كثيرة يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم والجزاء هو ايضاح لعاقبة فعل الشرط . وسأتابع فيما يلى من السطور ظاهرة الإبانة في القرآن الكريم : الفاتحة : "اهدنا الصراط المستقيم( 6 ) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين " ( 7 ) صراط بدل مطابق للصراط ، وفي الصراط إبانة ، وغير بدل من الضمير في عليهم أو الذين أو نعت للذين والنعت ينتمي إلى ابانة ، وقد سقطت الواو في كل ذلك . سورة البقرة 1 " إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " ( 6 ) لا يؤمنون تأكيد لأنذرتهم أم لم تنذرهم . 2 " أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين . (19 ) في هذه الآية إبانة وهو المفعول لأجله : حذر الموت . 3 وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " ( 61 ) هنا تبيين ينطلق من كلمة ذلك ، ويلاحظ أنه لا يسبقها حرف وصل هي وذلك الثانية . 4 "بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزّل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين " ( 90 ) هنا تبيينان : أن يكفروا بما أنزل الله تبيين " اشتروا به أنفسهم " والتبيين الثاني : المفعول لأجله بغيا . 5 " ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون " ( 101 ) هنا تبيين في الجملة الحالية " كأنهم لا يعلمون " وهي تبيين المفعول الثاني " وراء ظهورهم " 6 " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت" .. الآية (102 ) هنا إبانة ، جملة " يعلمون الناس السحر" تفسر جملة " ولكن الشياطين كفروا " أي أنهم كفروا لأنهم يعلمون الناس السحر ، والساحر كافر . 7 "ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير " ( 109 ) هنا تعليل وهو المفعول لأجله " حسدا من عند أنفسهم " 8 " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون" ( 171 ) الأخبار الثلاثة صفات ولهذا جاز حذف المبتدأ " هم " 9 "... فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة" .. الآية :( 196) هنا تأكيد للعدد 10 " ... وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم" .. الآية (213) المفعول لأجله بغياً للتعليل . 11 " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه" .. الآية ( 217 ) قتال بدل اشتمال ، ولهذا حذفت الواو. 12 "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء مالم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين" الآية( 236 ) حذفت الواو مرتين قبل متاعا وقبل حقا لأنهما مفعولان مطلقان . 13 والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم " الآية( 240 ) متاعاً مفعول مطلق لفعل محذوف ، وغير إخراج صفة لمتاع ولهذا حذفت الواو ، وغير إخراج تعني كونهن غير مخرجات من مسكنهن . 14 "... وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين " الآية ( 242 ) حقاً مفعول مطلق . 15 " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون " الآية ( 243 ) حذر الموت مفعول مطلق. 16 ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس" .. الآية( 264 ) رئاء الناس مفعول لأجله .