للحق والعدل في حق قيادات هذا الوطن يجب علينا أن نسجل تقديرا وإعجاباً وإكباراً لخادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - على تلك الكلمة التي ألقاها خلال تدشين ميزانية الدولة للعام الجديد (1431-1432) فلسفة هذه الكلمة تكمن في قضيتين الأولى المتابعة والثانية المحاسبة المباشرة للمسئولين عن تنفيذ معايير هذه الميزانية. المجتمع السعودي له الحق بأن يفخر بهذه الأرقام الكبيرة التي تحققها ميزانيته بشكل متوالٍ حيث تبرز الزيادة من عام إلى آخر وعلى الجانب الآخر ينخفض وبشكل تدريجي الدين العام ويتزايد بشكل مباشر الاحتياطي الحكومي، وهذه كلها نجاحات تسجل للمشروع الإصلاحي الكبير الذي يقوده خادم الحرمين - حفظه الله -. إذن كل المؤشرات ايجابية وهناك ما يتحقق لصالح الدولة ككيان سياسي ولصالح المجتمع المستفيد الأول من تنامي الدخل الحكومي عاما بعد عام وارتفاع أرقام الميزانية بشكل كبير. هذه مؤشرات تدل على نمو الاقتصاد السعودي والذي هو بلا شك الأقوى على مستوى منطقة الشرق الأوسط وهذا مصدر فخرنا نحن السعوديين ونطمح أن تكون مؤشرات هذه الميزانية متوافقة مع حجم فخرنا الدائم باقتصادنا. الميزانية كما افهمها أنا وقد يشاركني الكثير من أبناء المجتمع ليست رقما يقف بجانبه (الاصفار) مهما قل عددها أو كثر، الرقم الذي تحمله ميزانية الدولة سواء هذا العام أو كل عام بالنسبة لي ما هو إلا وسيلة لغاية اكبر تتمثل في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. صحيح أن الرقم هو المفتاح الحقيقي لكل مؤشرات التنمية ولكن الرقم الذي لا يتحول بفعل معادلة التنمية إلى محسوس اجتماعي واقتصادي ينعكس أثره على المجتمع فهو يظل رقما جامدا مهما زادت كميات الأرقام والاصفار التي يحملها ذلك الرقم، لذلك نلاحظ سؤالاً دائماً من الأفراد يقول ماهي فائدتي من الميزانية على المستوى الشخصي وهذا نتيجة لضعفنا في تحويل لغة الأرقام إلى لغة تنموية يفهم من خلالها المجتمع كيف تنتهي إليه الميزانية بفوائدها وليس أرقامها. نحن مجتمعات رقمية بفعل طبيعة تكويننا المعرفي فترجمتنا للمال بشكل خاص هي الرقم بينما تنقصنا بشكل دائم المعادلة التنموية التي نستطيع من خلالها تحويل الأرقام إلى حقائق على الأرض وهذا هو هدف التنمية الحقيقي، التنمية في مجتمعنا هي رقم مالي يتم إنفاقه يضاف إليه رقم مالي يتم توريده والفرق بينمها هو الربح أو الخسارة هذه معادلة اقتصادية حسابية تنقصها المعادلة التنموية الاجتماعية. المعادلة التنموية هي استخدام الأرقام لتكون معياراً ومؤشرات الانجاز فالتنمية الحقيقية يتم تحويلها إداريا إلى مشروعات تقسم على الفائدة الاجتماعية الشاملة التي يحققها هذا المشروع للمجتمع ويتم حساب الفائدة بمقدار المنفعة التي يحققها المجتمع من هذا المشروع أو ذاك والمنفعة هنا مرتبطة بجودة المشروع المنفذ وجودة معاييره. إذن القضية التنموية ليست كم الأرقام التي صرفت على المشروعات التنموية: القضية هي مؤشرات ومعايير المشروعات التي تم تنفيذها من حيث كيف نفذت وكم هي جودتها ومدى تحقيقها للمنفعة الاجتماعية. مشروعاتنا أرقام حقيقية لا تقبل التشكيك وعندما نتحدث بلغة رقمية يمكننا إسكات كل من يعترض علينا ولكن عندما يتم السؤال عن مؤشرات انجاز تلك المشاريع ومعايير الانجاز فيها هنا يغيب المجتمع وتغيب التنمية ويختفي كل شئ. مشروعاتنا التنموية ليست بحاجة إلى أموال إضافية فما تبذله الدولة في هذا المجال لا يمكن لأحد أن يعترض عليه فالرقم دائما (اصدق إنباء من الكتب) ولكن ما نحن بحاجة إليه هو أن نفهم كيف تتحول معادلة التنمية من معادلة حسابية إلى معادلة تنموية مجتمعية يمكن فهمها من قبل ابسط أفراد المجتمع. الميزانية وعائداتها التنموية ثقافة يجب أن لا تقتصر على المختصين فهذه الثقافة يجب أن تتاح للفهم بحيث يستطيع الجميع أن يدرك كيف تنعكس ميزانياتنا تنمويا على حياته. عندما تنفق الدولة الملايين من الريالات على المشروعات الحكومية يتم تنفيذها غالباً ولكن يبقى السؤال الأهم والدائم: كيف يتم تنفيذها وهل هناك علاقة منطقية بين حجم الانجاز في المشروع وبين كمية المصروفات على مشروع بعينه..؟ بالإضافة إلى سؤال آخر يقول ما مدى الحاجة إلى تنفيذ هذا المشروع..؟، مؤشرات الانجاز ومعاييره عنصر مهم للتأكد من نجاح المشروعات الحكومية وغير الحكومية. في مجتمعنا تتحمل الدولة عنصرين أساسيين في التنمية وهما الصرف والانجاز للمشروعات الحكومية بنفس الوقت وهذه مهمة ثقيلة إلى حد كبير على الجهاز الحكومي والبيروقراطي بل هي مدعاة إلى كثير من الإخفاقات في تنفيذ المشاريع وفق مؤشرات انجاز ومعايير منطقية ولذلك تبحث الكثير من الدول إلى سن قوانين لمواجهة تقييم وتنفيذ التنمية ولا تقوم الدول لوحدها بمراقبة تلك القوانين وإنما تشترك معها المجتمعات من خلال مؤسساتها الأهلية ومنظماتها شبه الحكومية والفئات المجتمعية المختلفة وهي ما يطلق عليها اصطلاحا (مؤسسات المجتمع المدني). يقول احد علماء السياسة العالميين والذي عاش قبل قرون طويلة، إن المواطن مطالب بالالتزام بالأخلاق حيث يعتبر ذلك العالم أن معيار مواطنة الفرد إنما هو مقدار خدماته للمجتمع. نحن بحاجة إلى استثمار مؤسسات وتنظيمات المجتمع القادرة على دعم المؤسسات الحكومية للارتقاء بتنفيذ التنمية وتسيير خططها لتنفيذها على اكبر قدر من الفاعلية والجودة وهذا السؤال يقول: كيف يمكن أن يحدث هذا في مجتمعنا..؟. لدينا مؤسسات مثل مجلس الشورى والمجالس البلدية وبعض الجمعيات المهنية، ففي مجلس لشورى أعضاء متخصصين في مجلات علمية وعملية مختلفة كما يوجد لجان متخصصة في جميع المجلات كما أن المجلس جهة تشريعية قادرة على المساهمة في مراقبة الأداء الحكومي. المجالس البلدية لديها أعضاء منتخبون وآخرون يتم تعيينهم وهم كفاءات ممثلة لأطياف اجتماعية مختلفة وقادرة على نقل الرؤية الاجتماعية إلى المجلس البلدي بكل كفاءة، وأخيرا الجمعيات المهنية التخصصية من محامين أو مهندسين أو داريين أو جغرافيين الخ..، هذه الجمعيات غالبا ما يمثلها أساتذة جامعات ومختصين. هذه الفئات مجلس الشورى، المجالس البلدية، الجمعيات المهنية، كلها قادرة على المساهمة مع الحكومة في تحسين عمليات التنفيذ للمشروعات الحكومية سواء على المستوى المحلي (المناطقي) أو على المستوى الوطني العام. جميع المشروعات الحكومية إلا القليل منها ماهو بحاجة إلى متخصصين من خارج الدولة بينما أكثر من تسعين بالمائة من مشاريعنا لدينا متخصصون في مجالاتها، وبالتأكيد سوف نجدهم بين هذه الأمثلة من المؤسسات الحكومية أو شبه الحكومية التي ذكرتها هنا ويمكن أن تتبنى الحكومة تشكيل لجان في المناطق وخصوصاً في الإمارات المحلية أو في الوزارات على المستوى الوطني مهمة هذه اللجان المستقلة هو تطبيق معايير المشروعات ومؤشرات انجازها على الواقع ومطابقة تنفيذها وتحمل مسؤولية المطابقة ومساءلة المسئول الأول في المؤسسة الحكومية عن بناء المعايير ومدى مطابقتها لمعايير التنمية الحقيقية المتناسبة مع المجتمع. كذلك المقارنات بين القيمة المادية للمشروع وبين مؤشرات التنفيذ على الواقع، في هذه الحالة سيكون المجتمع وممثليه شركاء في المشروع مسئولين عن مدى فائدته لهم ولن يتركوا مشروعا أقرته الدولة لهم إلا عندما يتأكدوا انه تم تنفيذه بالشكل المناسب والصحيح، ويمكن للدولة أن تستفيد من مثل هذه الفئات ليكونوا أعضاء في مؤسسات المراقبة مثل مؤسسات مكافحة الفساد والتي اقترح أن يتم تسميتها (هيئة مراقبة تنفيذ مشروعات التنمية الوطنية).