على مدى تاريخ التشيّع والشيعة، ظلت المراجع الدينية لا تهتم بالسياسة أو الحكم باعتبار أن هذا شأن خارج مذهبها، بل انصب الاهتمام بالمدارس الدينية ونشاطاتها، إلى أن جاء الخميني بمصطلح ولاية الفقيه ليدخل المعترك كرجل دولة وسياسة وليكون النائب عن الإمام المنتظر على الأرض.. التخريج في منظور من لا يذهبون للسياسة وتعقيداتها وحتى سلطة الحكم، يرون أن هذا متروك للإمام النائب، لكن الأغرب من ذلك أن المرجعية في العراق، والسيستاني يأتي في المرتبة الأولى بين المراجع، إذ لا يتدخل في شؤون الحكم بالعراق إلا بأقسى الظروف، وهذا يعني أنه لا يعترف بولاية الفقيه، وحتى في الصراع القائم بين الإصلاحيين، ومَن يهيمنون على السلطة في إيران لا نرى السيستاني ينحاز لأي طرف، وهي صورة مغايرة لما يتحدث عنه الأئمة والآيات العظمى هناك، لكن دخول الدولة في الدين جعل مراجع أخرى في لبنان والخليج العربي وغيرهما تنظر للأمر وكأنه تهديد لمستقبل المذهب، وخروج عن نصوصه المتوارثة.. في مظاهرات الطلبة، والتي أعادت سيناريوهات التظاهرات الشعبية التي أطاحت بالشاه، تكررت نفس المواقف،لأن جيلاً جديداً نشأ في ظل الثورة، ووجدها تعاكس اتجاهاته، إذ لم يعد الشاب يهتم بالكلاسيكيات الغيبية التي تريد إخراجه من إنسانيته إلى تلقي فتاوى وأقوال الإمام، فمتطلباته هي أن يعيش قيم عصره وحياته ، وأن يحصل على متطلبات متاحة لكل شباب العالم في الحرية والعدالة ، والضرورات الأساسية في التعليم والتأمين الصحي والوظيفة والمنزل، لا أن تُبدد إمكانات بلده للخارج في معركة خاسرة.. قهر الشعوب ، والاستعلاء عليها أسقطا امبراطوريات عظمى لأن الحكم الشمولي أياً كانت مبادئه وطروحاته، لا يستطيع إلا أن يكون حكم الاتجاه القسري الواحد، ولعل ما يجري من غليان للشعب في إيران، وتحت قيادات وفتاوى من ذات العناصر الدينية، وصاحبة الإسهامات الكبرى في الثورة وما بعدها، أنهم ينطلقون من بدهية المحافظة على بلدهم، ومن المضحك اتهامهم بالعمالة، وهم سادة الحضور في الشارع والحوزة والدولة.. وفي جدل امتلاك السلاح النووي، ومجابهة الدول الكبرى، تظهر التحديات الإيرانية وكأن تلك الدول لا تملك وسائل المجابهة الدبلوماسية والاقتصادية، وفي أقسى الظروف العسكرية، ولعل الخوف يأتي من اقتران الخرافة بالفعل فيما لو اعترف نجاد بأنه تلقى الأوامر من الإمام بإطلاق تلك الأسلحة لأي هدف لتحل الكارثة، وهو أمر محتمل إذا ماوجدنا في غالب خطبه وأفكاره اقتران هذا التفكير بسلوكه وتصرفاته.. ثقافة الشعوب قد تتفوق على الحكومات وعندما لا يصل التعامل بين طرفيْ العلاقة إلى التمازج والعطاء، يحدث الخلل وتبدأ مصاهرة بين العنف والرفض مع عناد الدول، ونحن في هذا الظرف الدقيق لا نتمنى أن تذهب إيران ضحية تحالف إسرائيلي أوروبي وأمريكي، ولو حدث أن شنت حرب وقائية، فلن تكون مفاجأة أو أمراً مستغرباً..