استكمالاً لموضوع (رائحة الخُبز أم احتراق البلاستيك) الذي نُشر هُنا يوم السبت الماضي 28نوفمبر 2009م تذكرت بأن الطوابير الطويلة انتظاراً للحصول على رغيفٍ لم تختفِ بعد، ففي بعض البلدان العربية لازالت المُعاناة حاضرة، لدرجة أننا سمعنا وقرأنا حدوث حالات قتل ومشاجرات دائمة في تلك الطوابير، وحين تكررت زياراتي لإحدى البلدان الشقيقة رأيتُ ذلك الرجل يعبرُ ( الأوتوستراد) على دراجة هوائيّة (سيكل)، يركبُ فلذة كبده خلفه متشبثّاً بخصرهِ النحيل وفي نقطة الخطر تماماً يُهدئ من سرعتهِ ثُم يرفع يدهُ معلناً رغبته في الانعطاف - قد يستجيب القلّة من السائقين ليتركوا له الفرصة بالعبور وقد يتجاهل إشارته البعض وعندها أضع يدي على قلبي- يحدث هذا مع إشراقة شمس كل صباح ، ولكم تخيّل بقيّة تفاصيل حياة ذلك الكهل المكافح بصبر يركض وراء رغيف اليوم الذي يوفّرهُ بشق الأنفس لأسرتهِ ، أما رغيف الغد فسيتعبُ من أجله الصغير بعد أن يُكمل تعليمهُ، هذا إن وجد فُرصة عمل، وتلك الأيام يُداولها الرب بين الأجيال وراء رغيف من أجل البقاء في حياة لم يختاروا الدخول في مُنعرجاتها ثُم يُصبحون فيما بعد تحت رحمتها تقسو على أكثرهم وتلقمُ ملاعق الذهب في أفواه القلّة مِِنّهم. صاحبنا الكهل سيُغادرُ فجر كل يومٍ فراشهُ الذي يتقاسم دفئهُ مع بقيّة أفراد الأسرة لأن عشّهم كلّهُ عبارة عن غرفةِ واحدة وليس كما قال عادل إمام هازئاً ( تركوا الشقة وناموا في أوضة وحده)..! أما ذلك الرغيف الذي يتقاتل من أجلهِ ملايين الجوعى ويا للأسف مكانهُ في بلادنا ضمن مخلفاتنا ، بل يُزاحم النفايات في براميل القُمامة ..! من هُنا أيُها السيدات والسادة يتبين شكل إسراف (بعضنا) حتى في أهم مادة غذائية لدى الشعوب فالخُبز مادتهُ الأساسيّة القمح ، وهذا المُنتج الاستراتيجي يُعتبر من أولويات اقتصاديات كثير من الأمم هذا إن لم يكن العنصر السياسي الضاغط على كثيرٍ من الشعوبِ الفقيرة ، ولهذا يُذهل البعض حين يرى أرغفة الخُبز بين أكوام زبالتنا. هُما سؤالان لا ثالث لهما الأول: من الذي يشتري أرغفة خبز على قدر استهلاك وجبته الواحدة ؟؟ السؤال الثاني ما مصير الأرغفة الزائدة عن الحاجة أو اليابسة ؟؟ أترككم على خير حتى وأنا موجوع بسبب الاستهتار بالرغيف المصدر الأساسي لغذاءِ الشعوب.