تفاعل المجتمع السعودي وقبله القيادة في قمة الهرم مع النكبة التي أحدثتها السيول في مدينة جدة، وأعلن الحزن القاتل مصاحباً للفاجعة والدهشة والذهول من الوضع المأساوي الذي كانت عليه البنية التحتية للمدينة، وتأكد الناس أن الفساد الإداري والمالي ضارب في عمق الأعماق، وأن التغني بجدة، والإنجازات التنموية، وأنها عروس البحر الأحمر لا يتعدى القشور، والماكياج الزائف على وجه المدينة. وأن نافورة يصل ارتفاع المياه واندفاعها منها إلى ثلاثين متراً أو أكثر أو أقل، و«كورنيش» هو تحصيل حاصل للمواطن وأسرته، وحق من حقوقه، ومجسمات في ميادين هلامية وعشوائية، كل ذلك ما هو إلا قناع لمدينة مهترئة في أبسط خدماتها، ومساحيق تجميلية خادعة ومخادعة من أجل تغطية عورات بذيئة وقبيحة، وأن الحقيقة المرّة هي فساد إداري نخر في جسم المدينة منذ الأزل، وأن مليارات الدولة التي أعطتها بسخاء إلى جدة، وغيرها من المدن، والقرى، والأرياف، طالتها أيدي الفساد، ونهبتها الذمم التي تعاقبت على الإدارة المباشرة للخدمات، وتنفيذ العقود، والتخطيط للمستقبلات التنموية، والرؤى التي كانت جهداً وضعته الدولة، وأن الأمانة الوطنية، والوظيفية، والإنسانية هي مصطلحات كلامية غير قابلة لأن تكون سلوكاً، وممارسة، وثقافة عند من تولى المسؤوليات التنفيذية لمدينة جدة. نقول هذا الكلام بصوتٍ عالٍ ومسموع، أو نرجو أن يكون مسموعاً. ولو راجعنا خطط التنمية، وميزانيات الدولة، ورصدنا ما صُرف على مشاريع جدة وبنيتها التحتية لأصابنا الذهول، إذ إن المبالغ التي صرفت تعادل ميزانية دولة في حجم أي دولة عربية، بمعنى أن الدولة كانت سخية إلى حد الإسراف مع مدينة كجدة، وهي بلا شك تستحق ذلك وأكثر كمدينة اقتصادية وتجارية، وبوابة العالم الإسلامي إلى المقدسات الإسلامية، ومركز مهم على البحر الأحمر. المؤلم، والمحزن أن تأتي غيمة محملة بالمطر فتعرّي الزيف، وتكشف الأمور على حقيقتها، وتغتال أكثر من مائة وعشرين مواطناً سنظل نحمل الحزن عليهم فترة من الزمن ثم ننسى الكارثة، ونتجاوز الدمار، وتطوى الصحف، وتجف الأقلام، ونعود نتغنى بالإنجازات، والمجسمات، والنوافير..!! الذي أثق فيه، كما غيري من المواطنين أن عقل القرار السياسي، ومن يجلس على قمة القيادة والمسؤولية والأمانة لن يقبل إلا بالمحاسبة والمساءلة والشفافية فأرواح المواطنين، ومقدرات الوطن، وثروات البلد ليست رخيصة إلى حد أن نتجاهل ما حدث، ويمر من دون عقاب. لنجرب العقاب مرة، لنتفادى الكوارث إلى الأبد.