عجبا لهذه الدنيا!! إلا أنها أمام المسلم والمنصف تنجلي عجائبها حينما ندرك بالمسلمات وأن كل حركة وغناء وفقر الإنسان ونجاحه وإخفاقه مقدر عند مقدر الأرزاق سبحانه. بالأمس القريب توفي الشيخ سعد حباب الجبر واليوم نفقد بعده وبأيام قليلة الشيخ محمد بن صالح السيف رحمهما الله، وكلاهما يمثلان الرعيل الأول لتجار الجملة ومنها سلع الأواني المنزلية التي كان لهما قدم السبق في توريدها وبيعها بل ويكاد لا يخلو منزل أو قصر أو مجمع تجاري من المنتجات التي هما وكيلان لها فالأول تاجر الأواني والأباريق القديمة التي لازال المنزل والرف التراثي يقتنيها بل الجديد منها كما أن الثاني عرفت باسمه أفضل الدلال المصنعة بجودة وعراقة تدرك من خلالها مدى حرص ونزاهة هذين الشخصين على تقديم المنتج المميز للمستهلك بعناية. تلك الأدوات والأواني التي يستخدمها المجتمع السعودي بل والخليجي والعربي وصار يقتنيها كذلك الزائر الأوروبي حيث تعد أدوات لعناصر الكرم والضيافة ، فكان منها التأثير عليهما فكان يصفهما القريبون منهما ومن عاصرهما من الناس بل والمحتاجون أنهما فعلا أنموذجان للتاجر المنمي لماله وتجارته بالكرم والصدقة والبذل وحب مساعدة كل محتاج بل ودعم كل تاجر وشاب جديد على عالم الاتجار بتلك السلع التي كانا لها وكيلين لبيعها بالجملة . أتحدث عنهما ليس مجاملة أو عاطفة، بل إني واجهت من خلال مصادفاتي الصحفية خلال السنوات الماضية في الميدان موقفين يؤكدان ماذكرته لك أخي القارئ فأحدهما حينما وجدت محتاجا يسكن في بيت بحي الديرة وتحديدا (بحي معكال ) ذكر لي شخص عنه أنه إنسان يحتاج للعلاج من مشكلة صحية له، فزرته وجلست معه وكان من بين حديثه أن أكد لي أن المنزل الذي يسكن فيه هو صدقة من (ابن سيف ) تاجر الدلال وهو لا يريد أحدا أن يعرف عن ذلك شيئا ، والموقف الثاني هو لأحد كبار السن ممن عاصروا (سعد حباب الجبر) قال كان يساعدنا نحن أصحاب المحال الصغيرة التي تبيع الأواني المنزلية( بشارع السبالة) بالرياض ويصبر علينا بل يقدم الصدقات والزكوات للمحتاجين في المنطقة والذي لا يستطيع الوفاء له بدينه يسامحه . تمنيت بل هممت أن أجري حوارات معهما في زاوية اقتصادية بالصحيفة (كيف بدأوا) وبدأت التنسيق إلا انها ظروف الحياة ومرضهما- رحمهما الله- فرحلا ولكن تركا أمام الجميع حسن سيرة وقدوة مباركة لمن يماثلهما في مجالهما وأمام أبنائهم وأحفادهم وذويهم التربية الصالحة والتجربة الفذة في المعاملة. وما دعاني للحديث عن هذين الأنموذجين ( أولا ) دعاء لهما بالمغفرة والرحمة من الله لهما ومن باب ذكر محاسن الموتى، (والثاني) دعوة أخرى لكل تاجر ورجل أعمال شاب وغيره في وطني أن يكون هذان التاجران من الرعيل الأول أنموذجين وقدوة يحتذى بهما في المعاملة وإدارة الأعمال مع الناس والآخرين وكم تمنيت أني أحمل تخصص إدارة أعمال أو اقتصاد لأكتب رسالة ماجستير أو دكتوراه عنهما وغيرهما من الجيل الأول من التجار المخلصين الناجحين بهذه المصداقية والعصامية في إدارة شركاتهم وتجارتهم رغم بدايات التقنية التي كانت لديهم ولكنها الدراية وتجارب الميدان والحياة وصدق المعاملة، والتي في ظني أن أبناءهم ومن خلفهم من العقب استفادوا أيما استفادة ممن عملوا معهما ولازموهما طيلة حياتهم (وثالثة) لذويهم أن يبروا بهم بعد موتهم من خلال تبني تلك التجارب الناجحة وجعل مختص يصدره في مؤلف فضلا عن مواصلة ما كانوا يعملونه من بذل وخير وسماحة في البيع والشراء والصدقة وهو حسبنا فيهم .