أحتفظ بكثير من ذكريات الطفولة في المدينةالمنورة حيث ولدت وأمضيت سنوات طفولتي. أتذكر بوضوح ركضنا في الشوارع في مثل هذا اليوم وإنشادنا "اليوم الوقفة وبكرا العيد .. نذبح بقرة عم سعيد .. عم سعيد ما عنده بقرا .. نذبح بنته هالشقرا". لا أعلم ما الذي فعله سعيد كي يستهدف في أغلى ما يملك: بقرته وابنته الشقراء، لكنه كان يملأ يومنا بهجة ونحن نركض في الأزقة مرددين بلا كلل تلك الأرجوزة. تلك البهجة، التي لم يكن دافعها بالتأكيد أننا في الغد سنشبع لحما، نتمناها لأطفالنا اليوم، لكنها للأسف مفقودة. التفسير المنطقي للغز البهجة المفقودة كان أننا في تلك الأيام كنا نستمتع بمشاركة أطفال آخرين في اللهو والإنشاد. أطفال لم نكن نعرف بعضهم جيدا، وإن كانوا يتشاركون معنا في سكنى الحي ذاته. كانت العلاقات بيننا تبنى بسرعة وخلال وقت قصير نكون قد أصبحنا أصدقاء نركض وننشد معا. أطفالي اليوم لا يعرفون أطفال الجيران. العلاقات بيننا نحن الكبار لا تتجاوز عبارات المجاملة. أما الصغار فلا يوجد ما يجعلهم يلتقون ويتعارفون. في الماضي كانت المدرسة تجمع كل أطفال الحي. الآن، أصبحنا في زمن المدارس الخاصة التي يذهب الأطفال إليها بالسيارة. في سن العاشرة كنتُ اذهب إلى البقالة وحدي وادخل منازل الجيران دون الحاجة للحصول على إذن من والديّ. صحيح أن ذلك لا يعد أمرا ذا شأن مقارنة بجيل والديّ اللذين كانا يكدلن فعليا مع والديهما وهما في تلك السن المبكرة. إلا أن أطفالي حرموا من التعرض والاستفادة من تجربة كتجربتي. من المستحيل تقريبا أن يترك الأطفال يذهبون في هذه الأيام إلى البقالة ومنها إلى منزل احد الجيران ليغيبوا ساعة أو نحوها دون أن يعلم ذووهم أين هم. كانت والدتي ترسل أختي الكبيرة عندما كانت في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية كي تشتري ما نحتاجه من البقالة القريبة. وكان عبء استقبال كل ضيف من ضيوف والدي الكثيرين يقع على كاهل أخي الأكبر. كان أخي وأختي، كما أقرانهما في تلك الفترة، يساهمان مساهمة فعلية في شؤون المنزل. اليوم، لا يخرج أطفالنا إلى الشوارع ، ولا يعرفون جيرانهم، ولا يناط بهم أي دور نحو احتياجات الأسرة. أطفالنا اليوم بلا تجارب ولا ذكريات ولا لهو جماعي. لم يفقد أطفالنا بهجة العيد دون سبب. نحن أفقدناهم إياها.