أوديسيوس، أو أوليس، أو " عوليس " كما تسميه الترجمات العربية هو بطل أسطوري شهير، لم ينافسه في الشهرة الا زوجته بنلوبي التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا. كان واحدا من الأبطال والملوك الذين حاربوا طروادة لاستعادة كرامتهم وشرفهم عندما خطف أمير طروادي زوجة أحد ملوكهم، هيلينا. استمرت الحرب عشر سنوات دخلت بعدها الجيوش اليونانية أسوار طروادة وأحرقت المدينة، وبعد أن حققت انتصارها عادت الى بلادها في اليونان. حرب طروادة سجلتها ملحمة شعرية قديمة كانت تنشد مثل السيرة الهلالية لدينا في أرجاء اليونان كقصة حرب ومعارك وانتصارات ، ونقلت الأفلام الأمريكية ما استطاعت أن تمثله من مشاهد تلك المعارك الحربية .. ليس هنا كل قيمة العمل الأدبي القديم، فأهم من القتل والانتقام والشجاعة والخذلان ما حفلت به الملحمة من مواقف انسانية نادرة وبالغة الروعة... زوجة البطل الطروادي، ابن مليكها وقائد جيوشها، تقف على أسوار طروادة تبكيه وقد غدا جثة شدت الى عربة قاتله اليوناني يجرها ويدور بها حول الأسوار، ملك طروادة – الشيخ العجوز - الذي يقتحم وحده معسكر اليونانيين يستجدي قاتل ابنه أن يسلمه جثته ليكرمه ميتاً، قصص الحب التي لم تبال بالحرب، حكايات مؤسية وراقية وجميلة. ويبدو أن الشاعر الذي كتب الملحمة، هوميروس، وجد أن أحداث الحرب طغت على مشاعر الانسانية بما فيها من قيم، فأتبع ملحمته بملحمة أخرى، جعل بطلها أوليس، أو عوليس، في طريق عودته يضل في البحر عشرة أعوام أخرى، وجعله يصادف كل أشكال المخاطر والإغراءات فلا تثنيه عن رغبته في العودة.. وحش العين الواحدة الذي يسجنه ورفاقه ليشوي كل يوم واحدا منهم، خدعه وهرب، نساء تسحر البحارة بصوتهن الذي لا يقاوم فيستسلمون لهن، جزيرة فاحشة الثراء، يحكمها ملك ليس له الا ابنة واحدة، يعرض على عوليس أن يزوجه ابنته ويعطيه العرش فيرفض ويرحل.. من أجل أي شيء وبلده أصلا بلد فقير؟! ربما كان حبا في زوجته التي لا يسلوها أبدا. على الجانب الآخر كانت زوجته في بيته تنتظر عودة الزوج، عشرون سنة مرت، عشرة في الحرب ومثلها في متاهة الأهوال والبحر، وكل الأبطال اليونانين الذين ذهبوا للحرب عادوا منذ عشر سنين الا هو فاعتبروه مفقودا ميتا. لم تيأس، تكاتفت عليها كل صنوف الضغوط أن تقبل بزوج آخر، فالجميع من أصحاب النفوذ والسلطان يتسابقون اليها لجمالها، يمارسون كل أشكال الضغط والمساومة فتزداد اصرارا على البقاء والانتظار، لم تفقد الأمل في عودة الغائب الذي أكدوا لها أنهم رأوه ميتا، ولكي تواصل الانتظار لجأت الى الحيلة، أعطت وعدا مزعوما بالموافقة شرط أن يتركوها تغزل بنفسها ثوب العرس فوافقوا، وما كانت تغزله وتنسجه في النهار تنقضه في الليل حتى لا ينتهي العمل، وواصلت الحيلة الى أن عاد لها زوجها فأصبحت مضرب الأمثال في وفاء المرأة وإخلاصها.. منذ ثلاثة أيام قرأت خبرا عن شاب سعودي – معذرة عن شيخ سعودي فقد تجاوز عمره الخمسين عاما – أحب فتاة سعودية وأحبته، تقدم لطلبها من والدها فرفض الأب، وعاود الشاب طلبه مرة ثانية فثالثة، سبع عشرة مرة يتقدم لخطبتها دون يأس وسبع عشرة مرة يعاود الأب الرفض، سافر وعاد وتنقل من عمل الى عمل، غيّر الأمكنة من بلد الى بلد، كلها لم تفلح في أن تشغله عن حلمه الوحيد، وبالمقابل رفضت الفتاة بعناد واصرار كل الذين تقدموا لها، عشرون سنة يحاول الرجل ويسعى اليها لا ينال منه اليأس شعرة، وعشرون سنة والأمينة المخلصة تنتظر فارسها، " عوليس الثاني " الذي أتم زمن الرحلة ولم يلتئم بعد الشمل، ربما تبقت أمامه أيام يتمم بها عامه العشرين وعليه أن ينتظر، أما نحن فقد يطول بنا وبأحفادنا الانتظار عدة قرون الى أن يأتي شاعر بقيمة هوميروس، يعيد لنا صياغة القصة، ويعيد ترتيب مواضعاتنا الاجتماعية .