باشرت الرئيسة الجديدة لمنظمة اليونسكو عملها مؤخراً في مقر المنظمة بباريس، بعد فوزها الشهر الماضي في الانتخابات الساخنة أمام المرشح العربي الوزير المصري فاروق حسني، و سبعة مرشحين آخرين من دول مختلفة. وكانت السيدة إيرينا بوكوفا - البلغارية الجنسية- قد تناولت في خطاب التنصيب، الذي ألقته أمام المؤتمر العام للمنظمة بعد اعتماد انتخابها، عدداً من القضايا والمفاهيم والرؤى التي تنوي السيدة بوكوفا إدارة المنظمة الدولية العريقة على ضوئها. وقد ركزت بشكل خاص على مفهوم التعددية والتنوع والتسامح والتقارب بين الثقافات. وقد لقي الخطاب التاريخي لأول امرأة تتولى رئاسة المنظمة، أصداء واسعة من الإعجاب والتفاؤل بالمرحلة القادمة لليونسكو. وفيما يلي مقاطع من خطاب التنصيب: إلى الشرق والغرب والشمال والجنوب: سأعمل جاهدة على بناء جسور عديدة بين مختلف مناطق العالم ، التي لحقت بها الآن ظاهرة العولمة. وعلينا أن نظل يقظين أمام مفهوم العولمة هذا، ذلك أن العولمة تساعد على التحرير بالفعل وقد ساعدت الملايين من الأشخاص على الخروج من الفقر والبؤس، ولكنها محفوفة أيضاً ببعض المخاطر إذ أنها تميل على إضفاء نفس الطابع الواحد على عالمنا الذي يتميز بالتنوع. إن اسرتي ، ايها الأصدقاء الأعزاء، تأتي من مدينة صغيرة في جنوب غربي بلغاريا حيث يمثل المسلمون 80% من السكان. فإنني أعرف معنى العيش في بيئة متعددة الثقافات ومتعددة الأديان ومتعددة الأعراق. وإنني أعرف معنى الاحترام والتسامح. نعم إنني أعرف معنى احترام الآخرين. ففي مدن بلغاريا مثل صوفيا أو بلوفديف وهي من أبرز مدن منطقة جنوب شرقي أوروبا التي تعيش فيها ثقافات متعددة، من الطبيعي أن نرى جنباً إلى جنب في مساحة لا تتجاوز عشرات الأمتار كنيسة أورثوذكسية ومسجداً ومعبداً يهودياً وكنيسة كاثوليكية: فهذا هو الجو التفتح والسلمي وهذا هو الاحترام بين العقائد الذي عرفته منذ طفولتي. ولهذا السبب اعترض على نظرية تصادم الحضارات، بل وارفضها تماماً. واود أن أوضح ما أقصده بالحضارة وما أقصده بالثقافة. ففي رأيي يرتكز مفهوم الحضارة على مبدأ المجتمع الإنساني في حد ذاته. فنفس ماء النبات هو الذي يسير في جذع شجرة الإنسانية وفي فروعها أيضاً. اما بالنسبة للثقافات، فهي الواجهات التي لا حصر لها لحضارتنا : فكل الثقافات تصب في نفس النهر، نهر الثقافة الإنسانية. ونظرية نقاء الثقافات ليست سوى وهماً. فعلى طول امتداد نسيج التاريخ ، اختلطت دوماً الثقافات وأثرت بعضها البعض بألوانها الزاهية. ولا توجد بين الثقافات فوالق تتسبب في حد ذاتها في التصادم والنزاع.فلا يجوز سوء الظن بالبشرية بأكملها... شعار منظمة اليونسكو نحن نعلم أن تنوع الثقافات هو ثروتنا الحقيقة، وهو مستقبلنا أيضاً: فهو الوسيلة الفعلية للتواصل الحقيقي بين الشعوب وهو الذي يسمح بإقامة الحوار حتى بعد استنفاد جميع الحلول الأخرى، وهو الدعامة الأساسية التي يستند إليها صون التراث- التراث المادي وغير المادي واللغات وصون الطبيعة والتنمية. لهذه الأسباب اقترح إنشاء فريق خبراء رفيع المستوى يُعنى بالسلام والحوار بين الثقافات. وسادعو شخصيات بارزة من المثقفين في العالم للانضمام إلى اليونسكو لنتمعن في معنى الثقافة والتسامح والوفاق والتوازن داخل مجتمعاتنا وفي العالم بأسره. وأصبحت التعددية مسالة ضرورية لكي نفهم بعضنا البعض وتحتاج الشعوب إلى أن تتضامن معاً في هذا العالم الشاسع... في رأيي أن النزعة الإنسانية تجعلنا نتطلع إلى السلام والديموقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، ونتطلع إلى التسامح والمعرفة وتنوع الثقافات، وهذه النزعة لها جذور راسخة في الأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية والاقتصادية ، وهي تتجسد في مساعدة أكثر الفئات ضعفاً، وتحتل مكانة أساسية في العمل من أجل التصدي للتحديات المشتركة الكبرى، ولا سيما في مجال احترام البيئة. إن احترام الحقوق الأساسية، واحترام كرامة كل كائن بشري، واحترام أوجه التنوع، وإرساء الإنسانية على أسس التضامن والشعور بالمسؤولية كلها عناصر من الرسالة التي انقلها، وهي أيضاً رسالة اليونسكو التي يتمثل دورها في إعطاء زخم جديد للتضامن وتوحيد الصف وصحوة الضمير. وتحتل اليونسكو محل الصدارة في مجال السلام استناداً إلى روح المهمة التي أنيطت بها. فهي تزاول بناء على نشاطها الثقة من المراحل التمهيدية: أي في المراحل التمهيدية قبل ظهور حالات سوء التفاهم، وفي المراحل التمهيدية قبل نشوء النزاعات والتعصب ، أي عندما لا تزال الفرصة قائمة لتغيير الأمور وطمأنة النفوس. إن المهام المنوطة بنا ذات ابعاد واسعة جداً ولكن ليس بإمكاننا أن نعمل بمفردنا. وليس من المعقول في وقت يعاد فيه النظر في مسألة إدارة شؤون عالمنا، ألا تحظى المهام المنوطة بنا في الميثاق التأسيسي بمكانها الصحيح في الإطار العالمي، بما في ذلك في مؤتمري مجموعة البلدان الثمانية ومجموعة البلدان العشرين. ولذلك يجب توسيع نطاق تأثير اليونسكو وكذلك قدرتها على إقناع الآخرين. إنني ملتزمة كل الالتزام بخدمة العلوم. وإنني مقتنعة أنه ينبغي لليونسكو أن تصبح وكالة رائدة في مجال العلوم كما هو الحال في مجال التعليم. واعتزم تشكيل فريق خبراء علمي رفيع المستوى تحت سلطتي، يتشكل من شخصيات بارزة مثل الحائزين على جائزة نوبل وغيرها من الجوائز العلمية للتمعن في دور اليونسكو في القضايا العلمية الرئيسية الحالية. ينبغي لليونسكو أن تشارك بقدر أكبر في الأبعاد الأخلاقية والقانونية والاجتماعية الثقافية لمجتمع المعلومات، مع التركيز على الفرص التي تتيحها تكنولوجيات المعلومات والاتصال لكل فرد. كما تعد حرية التعبير، ووسائل الإعلام المستقلة والتعددية، والتداول الحر للأفكار ، وتعميم الانتفاع بالمضمون والمعلومات والمعارف المرتفعة النوعية من خلال التكنولوجيات الجديدة، عوامل أساسية لضمان الشفافية والمساءلة والإدارة السليمة. وتتخلل تكنولوجيات المعلومات والاتصال، باعتبارها محركات المجتمعات القائمة على المعرفة، جميع مجالات نشاط اليونسكو، وتوفر فرصاً لا تحصى لسد الفجوة الرقمية. " ارم كل يوم انقضى وراءك مثل المياه الجارية، بلا حزن فأمس انقضى وبات قصة على الألسنة واليوم يشهد بزوغ تاريخ جديد"