كانت قد اشتعلت النار بين العراق وإيران ، وكثرت الأفواه التي تفتح وتغلق وهي تنادي بالعروبة والقومية العربية . وكأن القومية العربية لا تضطرم إلا باضطرام النار .. وكان صوت الضرب المدفعي وقصف الطيران يسمع في الخفجي ، كنت هناك ، ومن الخفجي كتبت في مجلة اليمامة مقالا بعنوان ( من يضرب من ) وحذرت كما حذر عدد قليل من بذور النار . لكن لم يُسمع الصوت وضاع في الضجيج . ( بذور النار ) عنوان لرواية عراقية ل( لطيفة الدليمي ) عن أيام الحرب العراقية الإيرانية ، لكنها رواية لم تلامس إلا قشور الحرب التي ولدت حروبا . ولعلها تلك الحرب كانت البذرة الأولى والبؤرة التي كونت بؤرا في وقتنا الحاضر. نعرف في علم الفيزياء شيئا يُدعى الحرارة الكامنة ، هذه الحرارة تكون موجودة في أمكنة عديدة ، يمكن أن تكون نارا عندما تجد العوامل المساعدة لها ، وممكن جدا أن تضمحل لو لم تجد أي عوامل تساعدها . هي توجد بالأشياء كما في البشر. فإذا أتت عوامل مساعدة لها أضرمتها فتناً وحروباً صغيرة هنا وهناك . لكنها أسرع من روافد الأنهر تجمعا وتكونا وصدى ..وهي ما يمكن أن نطلق عليه هنا بذور النار . بذور النار في الأمة تشبه المرض المعدي الذي إن لم يكافح في بداياته ويؤخذ المصل الواقي منه فإنه ينتشر بسرعة فائقة قد يصعب السيطرة عليها .. ويكلف الأوطان الكثير من المال والجهد ويؤثر على مستقبلها العلمي والأدبي . السؤال الذي يتبادر،كيف يمكن إعداد المصل ، وهو شيء يتعلق بالبشر ذاتهم ، وهي بذور قد يكون من الصعب اكتشافها . وهذا كلام صحيح ، فالوقاية من وجودها أساسية .ولعل أهم وقاية هي تقوية اللحمة الوطنية عبر كل الطرق مع البحث السريع ودراسة الظواهر التي تقول ( انتباه ! !) مهما صغرت هذه الظواهر،فهي مؤشرات تقول هناك شيء ما ، كما تجس الأم جبين طفلها كل صباح ، تعرف أن هناك حرارة ولو صغيرة وتبدأ بعلاجه أو بتشجيع المضادات الحيوية في داخله . هذه مهمة مؤسسات ومراكز الدراسات القومية والأمنية في الدولة ، وهي قياس وسبر الواقع أولا بأول وإيجاد الحلول المبنية على العلم والعمل السريع . بدلا من انتظار أن تكبر النار كي تُستدعى سيارات الإطفاء، ولابد من التذكير بملاحظة توفر الماء دائما في تلك السيارات ، فالصدف لاتؤجل نفسها. قد يقال : قد تكون البذور صغيرة جدا بحيث يصعب اكتشافها ، هو ذاك ولكن معالجة البؤر المولدة لها ليس صعبا ، وذلك بإيجاد الفرص لعدم تكاتفها ..وهنا نعود للفيزياء ونتحدث عن سبل مكافحة تكون الحرارة الكامنة أو الحد من تكونها ..