حين نتحدث عن التعليم ومخرجات التعليم وتطوير التعليم نسمع كثيرا عن "التلقين، ومشاكل التلقين وأخطاء التلقين" وتظهر هذه الكلمة وهذا المفهوم كثيرا بصورة سلبية حين نتحدث عنه في هذا النطاق لكن التلقين يستخدم كأسلوب علاجي سلوكي مثلا وغير ذلك. وهنا سنترك التعليم ونتحدث عن السعادة، التي نسعى لها جميعا. فهناك منا من يبحث عن فيلم كوميدي كي يسترق ضحكة تنسيه مشاغل يومه، وهناك من يجتمع مع الأصدقاء حول دلة قهوة أو مكعبات السوشي ليضحكوا على حديث مكرر أعادوه مئات المرات، وهناك من ينظر لصورته في المرآة ويرسم على وجهه ابتسامة إعجاب، وهناك من تضيء عينيه ببريق السعادة حين يحصل على هدية بسيطة أو يفاجأ بلفتة إنسانية غير متوقعة أو حين يحقق نجاحا معينا، وهناك من يسعد حين تجتمع ابتسامات من حوله وهناك من يحدد سعادته بمقياس تعاسة الآخرين. وللسعادة أوجه كثيرة. ونحن نعيش أيامنا برتابتها كما نحب أن نقول نعيشها بكل ما فيها نبتسم ونضحك ونبدأ يومنا الهادئ الرتيب ونكمله وننهيه بدون مشاكل عويصة تذكر، وهذه الأيام تمر ونسميها أيامنا العادية، لكننا نتوقف حين تتغير هذه الأيام عن رتابتها ويحدث ما يهزنا عندها نعبر عن أنفسنا متذمرين ونعبر عن استيائنا ونشتكي وهذا من حقنا لأنه نوع من التنفيس نوع من العلاج وسيلة تساعدنا على التعامل مع هذا الذي هزنا وأثر علينا سلبيا وضايقنا، وهذه الأيام الاستثنائية والظروف السيئة قد تبقى في أذهاننا، لكن لماذا لا ننتبه لتلك الأيام والظروف الأخرى لماذا لا تكون هي استثنائية لإيجابيتها لجمالها الذي عشناه ولم ننتبه له لصفائها الذي لم يعكره شيء؟ أترك لكم الإجابة وأنتقل لفقرة جديدة نبدأها بكلمة السعادة. مفهوم السعادة يصعب تحديده، ولعلكم لاحظتم التوجه الإنساني في العالم للحديث عن السعادة، ولو تابعتم أخبار المشاهير في العالم، لعرفتم أن موضة الحديث عن السعادة والبحث عنها منتشرة، حيث يتحدثون عن مدربين للسعادة إن صحت التسمية أو مستشارين متخصصين في مفهوم السعادة حيث يقوم هؤلاء بتذكيرهم بأهمية السعادة وكيفية الحصول عليها. وكأن السعادة جزء من الثقافة الإنسانية التي يمكن أن يتعلمها الإنسان بالتلقين أو يأخذ كورسا مكثفا عنها ليخرج منه وقد أصبح يملك ابتسامة يصل بريقها للقمر. متناسين أن السعادة فلسفة داخلية، ثوب يفصل على مقاس صاحبه وليس ثوبا ذا مقاس واحد كما أنها ليست زيا مدرسيا توحدت تفاصيله وإن اختلف مقاسه. فالأشياء التي تسعدك قد لا تسعدني والأشياء التي تفرحني قد لا تلتفت أنت إليها هذا إذا نظرنا بالمفهوم المادي المحدود للسعادة. قد تختلفون معي وقد تقولون اننا نحتاج كثيرا لمن يذكرنا بمقومات السعادة التي نملكها ولا ننتبه لها، فكم من مرة كرر لنا زميل الإيجابيات الموجودة في الوظيفة التي نعتقد أنها مصدر تعاستنا الوحيد أو همس لنا أخ بالإيجابيات التي في شخصية شريك عمرنا والتي قررنا أن ننساها في لحظة غضب أو غدر، أو صرخ في وجهنا صديق مذكرنا بالحياة المستقرة التي نعيشها والتي نتكبر عليها في لحظة جحود يعمينا إلى حد المرض، وأنا هنا أتفق معكم. لكن مازلت أسأل؛ هل السعادة يمكن أن تلقن أو تدرس أو تعلم؟ أحب أن أعرف رأيكم.