الوجود زاخرٌ بما يستحق مداومة التفكير والتأمل العميق والمراجعة الفاحصة، فالحياة جدٌّ لا هزل والمسؤولية مُلحة وعظيمة والنتائج مبهجة أو فادحة، وتأتي الفواجع لتوقظ العقل وتستنفر العاطفة وتحفز إلى التأمل، ففي اليوم الذي فُجعت فيه بموت أمي غرقت في التفكير حول حياة الإنسان الزاخرة بالإبداع والعطاء وحول نهايته الفاجعة!!! إنها مفارقة مذهلة أوحت لي بهذه الأبيات: تفاجئنا الأيام تُعطي فتأخذ تهبُّ نسيماً ثم تنهال تعصف عرفتُ من الأيام حلواً ومُرَّها وذُقتُ مرارات تهدُّ وتنسف وما كنتُ يوماً للشدائد طائعاً ولكن قلبي في اضطراب ويرجف فُجعتُ بأمي إذْ فَجَعْني رحيلُها فليس من الأنباء ما هو أعنف ذرفتُ على أمي دموعاً غزيرةً وما كنتُ قبل اليوم للدمع أذرف عهدت دموعي لا تُجيب لموقف ولكنها سالتْ غزاراً وتنزف ألا إن أمي تستحقُّ دموعنا لقد أغدقتْ مالا يُعَدُّ ويوصف تلَّقْيتُ منها الحبَّ صدقاً وغامراً وفاقتْ بهذا ما يقال ويؤلَف رأيتك قبل الدفن نجماً مضيئةً كأنك في نوم عميق يهفهف رأيت وميض الطُّهْر ودَّع باسماً يُكرر ما نلناه منها ويعطف تُوَدِّعنا بالبُشر إذ كان وجهها يشعُّ من الطهُّر الذي كان يتحف يكاد حنان الأم ينطق وحده فكنت أُصيخ السمع صدقاً وأرهف فيا ألمي من ساعة غاب وجهها عليها سلام الله ما ظلَّ مصحف ألا يا حباك الله يا خير مُرضع لقبرك أضواءٌ تشعُّ وتكشف عجبت بأني أُسلم الأُّمَّ للثرى وهل مثلها في التُّرْب يُلقى ويخلّف أندفن أمي في التراب وحيدة ونُحرم من حب يفيض ويشغف ألا إن هذا غاية في نكوصه وأغرب ما في الكون حقّاً وأسخف ألا إنها دنيا تخبئ غدرها وتتركنا نلهو بما هو مُدْنف تباركتَ يا رحمن عوض مصابنا بإكرامها يا من تجود وتلطف ستلقين يا أمي جناناً عظيمةً فهذا أوانُ الأجر والله أرأف نهايةُ إنسان بكل عطائه يهال عليه التُرْبُ والحزنُ يقصف أما إنها دنيا أراها عجيبة تُنَمِّقُ أرياشاً وتأتي وتنتف مصيرُ بني الإنسان رمسٌ بحفرة وقد كان في الدنيا عظيماً يزخرف ذكاءٌ وعلمٌ ثم حلمٌ وحكمةٌ وفي لحظة يُنهى وفي القبر يُقْذف يُعدُّ لآمال عظام كأنه إلى أبد الآباد يبقى ويقطف وهذا لعمر الله عنوان مجده فما تزهو الدنيا بمن كان يوجف فليس دعاةُ الهدم مثلَ بُناتها وليس الذي يبني كمن راح يقصف أفيقوا بني قومي وهُبُّوا لقادم تواثبتْ الأقوام بالعلم تهتف تدور بنا الأيام خلفاً وناكصاً ونحن بأثقال التخلُّف نزحف أفيقوا أفيقوا للحضارة والبناء وإلا فإنا للمهالك نُخطَف