هل صحيح أن الموت طريق باتجاه واحد أم أن له أوجها عديدة بعضها قابل للانعكاس والعودة للحياة!؟ وفي حال تبنينا الخيار الأول فما سر عودة بعض المرضى بعد وفاتهم أو انقطاع أنفاسهم لفترة طويلة !؟ ... أنا شخصيا كتبتُ عن حالات تاريخية كثيرة عاد أصحابها للحياة بعد الموت .. وفي مقال "من عاش بعد الموت" استعرضت حكايات واقعية وثقها الحافظ ابن أبي الدنيا في كتاب يحمل نفس العنوان وجاء فيه قول عائشة : سمعت رسول الله يقول يتكلم رجل من أمتي بعد الموت من خير التابعين !! ... وقبل أيام قرأت عن طفلة كندية تدعى "نوربادي" توقف قلبها عن الخفقان لمدة ساعتين قبل أن يعود للنبض مجددا.. وكانت هذه الطفلة قد تاهت قبل أن تسقط في بركة مثلجة لمدة ساعتين وبعد رفع درجة حرارتها في المستشفى فتحت عينيها مجددا. ورغم أن حالتها حيرت الأطباء إلا أنها قد تفسر سر البيات الشتوي والوفاة المؤقته لدى بعض المخلوقات القطبية (بل وحتى وفاة بعض الخلايا السرطانية ثم عودتها للحياة بعد إيقاف العلاج) !! ومن المعروف عموما أن الخلايا الحية والمجمدة تعود للعمل حين ترتفع درجة حرارتها إلى 37 مئوية ، كما تعود قلوب الحيوانات للخفقان والأعضاء المقطوعة للعمل (بشرط عدم وصول العضو المجلد لمرحلة الموت النهائي). ورغم أن قصص العودة للحياة لا تملك نمطا مشتركا أو متفقا عليه، إلا أن حوادث المياه الباردة (والمثلجة) تملك نمطا مشتركا أقنع الأطباء بإمكانية حدوثها وتكرارها.. فقصة الطفلة الكندية سبق وتكررت في ظروف ومواقع كثيرة حول العالم.. وجميعها تشترك في السقوط أو الغرق في المياه المثلجة الأمر الذي يجعل أعضاء وخلايا الجسم تمر بحالة تجميد ووفاة مؤقتة حفاظا على طاقتها والأوكسجين بداخلها... فهناك مثلا مواطن نرويجي يدعى فيغارد سلتمون دخل كتاب غينيس للأرقام القياسية بعد سقوطه في نهر جليدي عميق وعودته للحياة بعد 40 دقيقة .. وهناك حالة أخرى شاهدتها في أحد برامج الانقاذ عن طفل صغير عاش بعد غرقه في بركة مثلجة لأكثر من 36 دقيقة تدنت درجة حرارته خلالها إلى 16 درجة فقط (رغم ان الانسان يموت حين تتدنى حرارته لأقل من 35 درجة) .. وفي عام 1992 سقطت طائرة مدنية في نهر متجمد بولاية وسكانسن وأمضى معظم الركاب أكثر من نصف ساعة في المياه المثلجة وفي النهاية عاد 62 منهم للحياة من بين 282 سقطوا في الماء ! ... وحوادث كهذه أكدت للأطباء أهمية تبريد الجسم في حالات الطوارئ والانتكاسات الخطيرة وقبل العمليات المعقدة خصوصا عمليات الدماغ والقلب - .. واليوم أصبح مؤكدا أن "التبريد" يقلل من تمثيل الجسم للغذاء واستهلاكه للأوكسجين. وحين يسقط المرء في الماء البارد يبدأ جسمه باتخاذ اجراءات قسرية مثل إبطاء النبض وسحب الأوكسجين المخزن في الخلايا وتحويل كميات أكبر من الدم للدماغ (غير ان هذه الإجراءات ليست أكثر من ردة فعل مؤقتة قد تنتهي بالوفاة إن استمرت لفترة طويلة) !! واليوم تعترف جمعية القلب الأمريكية بفعالية "التبريد" في إنقاذ ضحايا الجلطة وتلافي مضاعفات السكتة. ومن الاجراءات الاساسية المنفذة حاليا في المستشفيات الكندية تبريد ضحايا الجلطة فور وصولهم بحقن الماء المثلج في أمعائهم وإدخال قسطرة في الشريان الرئيسي لتبريد الدم.. وحين يتم التبريد تحت مراقبة طبية دقيقة يُتاح للجراحين وقتا أطول وفرصة أكبر لإتمام العملية وتجاوز مرحلة الخطر .. أما بالنسبة للمرضى فالتبريد وحده قد يمنحهم فترة كافية لتجاوز الحوادث الخطيرة والتقليل من المضاعفات المتوقعة بعد عمليات الدماغ الدقيقة! .... أتساءل إن كان أطباؤنا سيتبنون هذه التقنية !!؟؟