تتذكر الأجيال التي شبت على برنامج "العلم والإيمان" كيف كانت البدايات وكيف نقل هذا البرنامج وعي الجماهير بالقضايا العلمية وعلاقتها بالدين. تخيل البعض أن برنامجاً بهذا المستوى ربما يكون نخبوياً بامتياز لا يجد طريقه للمشاهد العادي. فمثل هذه البرامج إما أن تكون نخبوبة بشكل مطلق أو شعبوية صرفة حسبما يتصور البعض ولا يمكنها بحال أن تجمع كل الشرائح لتلتف حول مائدتها. تلك الظنون بددها مصطفى محمود الذي جعل من برنامجه منارة تلتف حولها كل الشرائح الجماهيرية تتابع بشغف صلة الوصل الوثقى بين العلم والإيمان، وتكتشف مع كل إطلالة لهذا العالم الفذ معنى الإيمان الحقيقي وتجلياته على صعيد العلم والمعرفة فتزداد وثوقاً بعظمة الإسلام وسمو رسالته. وجه محمود عبر نافذته ضربات قاصمة وموجعة لدعوات التشكيك في عقيدة الأمة وهويتها، وهوى بمعوله على كثير من الأصنام التي حاولت تضليل الجماهير ورفع شعارات تستهدف تقويض الثقة بعقيدة الأمة عبر الحديث المكرور عن تهافت البضاعة الإيمانية وعدم قدرة الموروث على الصمود أمام حقائق العلم واكتشافاته حتى كاد يستقر في ذهن البعض أن العلم والإيمان لا يمكن بحال أن يكونا صنوين متلازمين على قاعدة التجافي التي حاول أن يرسمها البعض لعلاقة العلم والإيمان . كان من الطبيعي أن يقترب مصطفى محمود من الجماهير التي يجمعه بها صفاء الإيمان والصدق، وقد ترسخت تلك العلائق بعدما تيقن الناس من أن هذا العالم لا يخاطبهم من برج عاجي ولا يتحدث عن همومهم من كتب إنما يخاطبهم عن كثب .وعبر المستوصف الطبي الذي شيده فوق المسجد الذي ابتناه وجد المعوزون ومحدودو الدخل من يقدم لهم الخدمة الطبية الجيدة بالسعر الزهيد. حفر مصطفى محمود له مكاناً مرموقاً وتربع على عرش قلوب الجماهير التي بادلته حباً بحب، وتلك من أهم دروس تلك التجربة الرائدة لهذا العالم. فمحمود الذي بدا في فترة من حياته بعيدا عن حقائق الإيمان وهو يقطع دروب رحلة الشك الوعرة ما كان له أن يحقق كل هذا الارتباط بالجماهير وأن يسكن وعيها ويستقر في وجدانها إلا بعد أن رفع راية الدفاع عن هوية الأمة وعقيدتها . خرجت الجماهير الغفيرة في وداع مصطفى محمود، خرج البسطاء، خرجت كل الشرائح ورسالتها في تأبين هذا العالم المعطاء تقول:إن من يرفع لواء عقيدتنا وينافح عن هويتنا يصبح حادي قافلتنا.