من القضايا التي حينما أحاول الكتابة عنها وأجدني أقف أمامها حائرا - حيث تختلط الأفكار وتتعثر الكلمات - هي تلك التي أتناول فيها الحديث عن رجالنا العظماء، وأعني بهم أولئك الذين جسدوا القيم الرفيعة والمعاني الإيمانية السامية، أي من يمكن أن يمثلوا لنا القدوة الصالحة والرموز العظيمة حيث تجد العلم والقول والعمل يتناغمون في سياق واحد ليس فيه اضطراب أو تناقض أو قصور، وحينما أقول رجالنا العظماء فإنني أعني بهم أولئك الذين لا يمكن أن يختلف الناس حول عظمتهم وتفردهم بما بان وظهر منهم من خصال عظيمة، وسمات مميزة قلما تتكرر في شخصية أخرى. إن حالة الحيرة هذه – التي أرجو أن أجد فيها لنفسي بعض العذر من القصور والتقصير- هي ما أنا فيه وأنا أحاول الحديث عن صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالعزيز، فماذا يمكن أن يقال عن سموه؟ إن هذا الرجل يمثل جانبا من تاريخ وطن، وهو جدير بأن يكتب عن تجربته كنموذج يحتذي به كل من يتقلد مسؤولية الخدمة العامة وأنا بطبيعة الحال أؤكد على عجزي عن ذلك ولكن هذا أيضا لا يمنعني من التعبير عما علمته ولمسته في مواقف وشواهد قليلة عبرت عن حقيقة وواقع ما يكتنزه هذا الرجل في نفسه من قيم ورؤى وبصيرة. إذا .. ماذا يمكن أن يقال عن الأمير متعب رجل الدولة وهو يترجل مطية المسؤولية بعد قرابة ستين عاما من خدمة هذا الوطن الغالي، جسد خلالها ماذا يعني أن تكون مسؤولا أمام الله وأمام ولي الأمر وأمام المواطن، ماذا تعني المسؤولية في أبعادها الأخلاقية والعملية. إن قيادة الأمير متعب لقطاع حيوي هو أشد ما يكون التصاقا بحياة المواطن اليومية كقطاع البلديات ووضوح رؤيته الاستراتيجية في إدارته من خلال ما حققه فيه من إنجازات كبيرة نلمسها في كل مدينة وقرية قد جعلت من كل أمانة وبلدية ترى في نفسها أنها حظيت من سموه باهتمام فريد وعناية مميزة قد لا تكون بقية الأمانات والبلديات حظيت بها، كعنايته بالأحساء – حسب ما لمسته وعايشته - وجهوده الحثيثة لرفع تصنيف بلديتها إلى أمانة، ودعم ميزانيتها بالعديد من المشاريع التنموية الكبرى التي حولت كل الأحساء إلى ورشة عمل حقيقية، ولكن هذا الانطباع هو عين ما ستجده لدى كل البلديات وكل المواطنين في كل مدننا وقرانا لأن الجميع قد حظي من سمو الأمير بنفس القدر من العناية والاهتمام، وهنا تكمن إحدى خصال العظمة في هذا الرجل. إن هذا الأمر لم يكن ليتأتى إلا من عمق الإحساس بعظم المسؤولية وثقل الأمانة وشدة الورع في العمل الذي انعكس على حرصه في اختيار الرجال من حوله وصناعتهم عبر متابعته القريبة لأدائهم وتوجيهه المباشر لهم، بل إنه قد لا يكاد يفوت أي فرصة ومناسبة لتذكير من حوله بعظم المسؤولية أمام الله ثم الوطن. وكان حفظه الله في كل خطواته المثل الأعلى الذي يشحذ هممهم للتفاني في العمل، والبذل في العطاء، والإخلاص في الأداء، وقد تجلى هذا الأمر للجميع حينما تم تدشين أول تجربة انتخابات للمجالس البلدية، حيث تلمس جميع المشاركين فيها سواءً كانوا مرشحين أوناخبين مدى الكفاءة والنزاهة والمقدرة العالية في إدارتها وتذليل كل التحديات والصعاب التي واجهت تنفيذها وفق إطارها الزمني المحدود. إن ما يمكن أن يقال عن قطاع البلديات هو نفس ما يمكن أن يقال عن مسؤولياته السابقة سواء كوزير للأشغال العامة والإسكان أو كرئيس لهيئة تطوير مكةالمكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة الذي اضطلع بمسؤولية إدارتها منذ تأسيسها عام 1424ه وشواهد الإنجاز ماثلة للعيان هناك لكل الحجاج والمعتمرين. ولقد عرف عن الأمير متعب أنه ذو علم كثير وبصيرة نافذه وحكمة ثاقبة انعكست على عمق تأمله في الأمور وتقليبه للفكر وبلورته للرؤى ومحضه للمشورة لولي الأمر خاصة، ما جعله واحدا من أدنى المقربين لخادم الحرمين الشريفين حفظه الله، كان دمث الخلق واسع الصدر مقلا للكلام ليس في الصحافة فحسب بل حتى في سلوكه الشخصي يؤمن بأن الأعمال والأفعال والمنجزات خير من يعبر عن واقع المسؤول أمام المواطنين. لقد ترجل الأمير متعب – حفظه الله - عن ظهر المسؤولية وهو فارسها الأول وسيبقى عنوان الأمانة والتفاني والعطاء لكل رجالات هذه الدولة فهو مدرسة تستحق منا البحث والدراسة والتأمل، وقد يكون سلوانا في ذلك أن تولى المسؤولية من بعده الأمير منصور بن متعب الذي قد تحلى بالكثير من خصال والده العظيمة، وقد تجلت منجزاته خلال تجربته القصيرة كنائب لوزير الشؤون البلدية والقروية يتلمسها المواطنون في كل مدينة وقرية.