امتدت يد التطوير في مدينة الرياض لتشمل الأحياء القديمة والعشوائية في قلب العاصمة، بهدف إعادة تأهيلها وتطويرها وتحويلها إلى مشروعات تنموية حضارية، مع الحفاظ على مكانتها التاريخية والتراثية. وقد أدت الطفرة العمرانية التي شهدتها مدينة الرياض، وظهور أحيائها الجديدة وانتقال الثقلين التجاري والسكاني إلى منطقة «العصب التجاري»؛ جعلت منطقة وسط المدينة والأحياء القديمة المجاورة لها تعاني من هجرة السكان، وضعف البرامج الاجتماعية والاقتصادية، وتراجع اهتمام السكان بالمنطقة، مما أدى إلى تزايد عدد البيوت المهجورة واستيطان العمالة الأجنبية لهذه المواقع. وقد حدد المخطط الاستراتيجي الشامل الذي أعدته الهيئة «المنطقة المركزية» في وسط المدينة بمساحة تقدر ب 15 كم مربع، وتشمل أحياء: العمل وثليم والمرقب والفوطة والوشام وأم سليم والديرة والصالحية والعود وجبرا ومعكال والشميسي وأجزاء من حي المربع وحي غبيرا. «الرياض» التقت بشرائح من المجتمع عاصروا بدايات الرياض ويشهدون الآن إعادة تأهيلها ولهم إسهامات أو رؤى حول التطوير والتأهيل، كما استعرضت «الرياض» خطط التطوير والتأهيل التي تقوم بها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وفق رؤى علمية عالمية لإيجاد مدينة حضارية مع المحافظة على أصالة الماضي. المنطقة المركزية وتعمل الهيئة حالياً على إعداد دراسة لوضع الآليات وخطط التطوير للمنطقة المركزية، ترمي إلى تحفيز القطاع الخاص للاستثمار في المنطقة، بما يحافظ على خصوصية المنطقة التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والجغرافية. وتبعاً لنتائج الدراسات والبحوث التي أجرتها الهيئة للمنطقة، وضعت الهيئة عدداً من السياسات والإستراتيجيات العامة المنبثقة من "المخطط الإستراتيجي الشامل لمدينة الرياض" تمخض عنها "برنامج تنفيذي" جرى من خلاله تنفيذ عدد من المشروعات التطويرية الكبرى في المنطقة. وعلى الرغم من احتضان المنطقة المركزية لجملة من المشاريع الريادية في القطاعات الثقافية والتجارية والإدارية والسكنية، إلاً أن القطاع الخاص ظل محجماً عن المبادرة بالاستثمار والتطوير فيها، مما تتطلب تحفيز القطاع الخاص للمساهمة في تطوير المنطقة، وتحديد العلاقة بين أطراف التطوير من الحكومة والمطورين وملاك العقارات، وذلك بالاستفادة من تجارب حالات التطوير المماثلة محلياً وإقليمياً وعالمياً. واجهة التطوير وقد انتهت الهيئة العليا من وضع مشروع ل "المسح التراثي في مدينة الرياض" الذي انطلق من مبدأ المحافظة على التراث العمراني ونمط المباني الطينية التراثية في الأحياء القديمة في الرياض، إلى جانب تطوير عدد من المشاريع التي ساهمت في إنجاح برنامج تطوير منطقة قصر الحكم، ومن ذلك مشروع تطوير مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، إلى جانب مقر مشروع المحكمة الكبرى، وإنشاء مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وتحسين سوق الزل، وتطوير ميدان دخنة، الذي يحيط بهم نسيج عمراني تاريخي يتميز بمبانيه الطينية وأزقته التقليدية المشهورة المكتظة بالمحلات التراثية، وتجارة الملابس الرجالية التقليدية، كذلك تشييد متنزه سلام كواحد من أهم العناصر الطبيعية لمركز مدينة الرياض، والعمل حالياً على مشروع المحكمة الجزائية. مشروعات التطوير الحالية ومن أبرز مشروعات التطوير الحالية؛ تطوير وادي حنيفة بهدف حماية بيئة الوادي، وتهذيب مجاري السيول وإعادتها لوضعها الطبيعي، كما سيتم تنفيذ عدد ست متنزهات في الوادي عند المواقع التالية: سد العلب ومدخل عرقة، وسد وادي حنيفة، وميدان الجزائر والسد الحجري في حي المصانع، وبحيرات المصانع. إلى جانب تحويل منطقة الظهيرة إلى مركز تجاري رئيسي ذي مستوى عالٍ يضم المرافق التجارية والمكتبية والسكنية وغيرها من المرافق الخدمية المختلفة، كذلك هناك توجهات لإعادة دراسة منطقة البطحاء والمناطق المجاورة لها. م. عبدالله الفوزان احتياجات المنطقة وقد التقت "الرياض" بعدد من المهتمين بتطوير منطقة وسط الرياض، الذين أبدو إعجابهم ببرامج وخطوات التطوير في المنطقة، وحصد الجوائز العالمية التي تعكس حجم العمل الذي بُذل منذ سنوات بمتابعة واهتمام كبيرين من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، مطالبين بضرورة معالجة السلبيات التي تعيق التطوير في المنطقة، ومن ذلك البيوت المهجورة، والعمالة الوافدة، وعدم إنارة مداخل الأحياء القديمة، والاهتمام بنظافتها، وتحفيز القطاع الخاص للمشاركة. وقال في البداية الأستاذ خالد المهيزع (مسوق عقاري وسط الرياض) إن وسط مدينة الرياض وخصوصا منطقة الشميسي يشهد هذه الأيام إقبال عدد من المستثمرين الذين يتهافتون للشراء في هذه المناطق، وخصوصا حي الشميسي عقب اتجاه المسؤولين لتطوير منطقة الوسط، مشيراً إلى أن هناك من يشتري المنازل الشعبية سواء كانت من الطين أو الحجر وهدمها ومن ثم بناء مبان سكنية تحتوي على مجموعة من الشقق. حي الظهيرة ينتظر التطوير مستقبلاً وتحدث المواطن مساعد الجويان (مسوق عقاري بالوسط )، وقال: إن وسط الرياض يعد من أفضل المناطق ولكن عندما قامت أحياء أخرى هجرها أهلها واستوطنها غيرهم، وأبرز من تركز فيها محدودو الدخل أو العمالة إما نظامية أو متخلفة، فشكلت بعض أحياء وسط الرياض تهديدا أمنيا للأحياء القريبة منها. وأكد المهندس عبد العزيز البريكان (هندسة مدنية) على أن تطوير وسط مدينة الرياض هو مطلب حقيقي منذ زمن بعيد وحلم لكل ساكن أو زائر لمدينة الرياض، فوسط مدينة الرياض يتمتع بمميزات لن تتوفر لأي موقع آخر في المدينة، ولكن تبقى أجزاء هامة في وسط الرياض تضم العديد من الأسواق العالمية كأسواق الديرة والبطحاء لم تشهد التطوير حتى الآن ؛ بالرغم من أنها من أهم الأسواق المشهورة والمعروفة عالميا منذ القدم، ومازالت أسواق رئيسية تغذي كافة أسواق المملكة بالبضائع، مشيراً إلى أن الوصول إلى المنطقة لايزال من أهم المشكلات الرئيسية التي يعاني منها الكثيرون، حيث تزدحم الطرق المحيطة بها ولا يتوفر فيها وسائل نقل حديثة عامة تربط وسط الرياض بأطرافه. إعادة التخطيط.. والسكن وطالب المهندس عبد الله الفوزان بإنشاء شركات تطوير للأحياء ونزع ملكياتها وتعويض الملاك، بما يساعد على إزالة الأحياء العشوائية وإعادة إسكان المواطنين الذين يعانون من عدم توفر مساكن لهم بسبب الغلاء الفاحش بأسعار العقارات وخصوصاً في الشمال، وفتح شوارع أكثر اتساعا وإعادة التخطيط العمراني لهذه المواقع طبقا لنظريات العمارة الحديثة. وأوضح د. عبد الله العويرضي أن الأسباب التي جعلت المواطن ينزح عن الوسط ويتنازل عنه بالرغم من اكتماله بالخدمات وموقعه الاستراتيجي هي الطفرة العمرانية التي شهدتها مدينة الرياض كباقي المدن وظهور أحيائها الجديدة وانتقال نشاطها التجاري والسكاني إلى مناطق الرياضالجديدة، داعياً إلى المحافظة على ما تبقى من آثار وسط الرياض من قبل الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض. عناصر قصر الحكم تتكامل مع مشروعات التطوير للنهوض بوسط العاصمة وأكد الدكتور علي غبان (باحث سياحي) على أهمية تطير سوق الزل والأسواق القريبة منه، إلى جانب المعالم الرئيسية المجاورة لمنطقة قصر الحكم، وقصر المصمك لإنعاش وسط المدينة وتأهيلها لأداء دورها الأساسي كمركز إداري وتجاري وترفيهي، وضمان استمرارية نشاط السوق التجاري والثقافي مع أهمية المحافظة على نسيج السوق العمراني من خلال تحسين الممرات الداخلية بأسلوب يتوافق مع الهوية العمرانية والتراثية، وإعادة تنظيم البنية التحتية وتنظيم لوحات المحلات وإظهارها بشكل تراثي، مقترحاً إيجاد ساحة مناسبة لإقامة مزاد لبيع سلع التراث والقطع الأثرية القديمة في هذه السوق. أسباب الهجرة من المنطقة أما المهندس علي بن محمد السواط من كلية العمارة والتخطيط في جامعة الملك سعود، فقد أكد في دراسة أعدها حول أهمية تطوير منطقة الوسط وهي بعنوان «أسباب هجرة الأسر السعودية من أحياء وسط المدينة»، فقال: ان هناك دوافع تساهم في انتقال السكان من أحياء وسط المدينة أولها الدوافع التجارية والاستثمارية، ثانيها الدوافع الاجتماعية والثقافية، ثالثها الدوافع المرورية، رابعها الدوافع البيئية والخدمية، وآخرها الدوافع العمرانية والمعمارية، مبينا أن أحياء وسط المدينة أصبحت بأوضاعها الراهنة طاردة للأسر السعودية، إذ يبدو أن هناك استمراراً للتفريغ السكاني من تلك الأحياء، فالمدينة تنمو بشكل متواصل وأنماط الحياة السائدة تتبدل وتتغير بطريقة تتزايد وتيرتها يوماً بعد يوم. شارع البطحاء احد مداخل وسط الرياض مزدحم دون حلول وأضاف في دراسته أنه في ظل هذا الوضع تتواصل هجرة السكان الأصليين من أحيائهم الواقعة وسط المدينة والأحياء المحيطة بها إلى الأحياء الجديدة الواقعة في الضواحي وأطراف المدينة، ونتيجة لذلك يبدأ التدهور في بعض أحياء في وسط المدينة فتتهالك مبانيها ومرافقها وخدماتها، ويكون ذلك مصحوباً بأوضاع اجتماعية متردية في تلك الأحياء ناجمة عن تفكك النسيج الاجتماعي وانتفاء الخصوصية بسبب انتشار الأنشطة التجارية بها بشكل عشوائي. وبين المهندس السواط في الدراسة: أنه قد أضحى بعض هذه الأحياء بعد أن هجرها سكانها الأصليون ملاذاً لذوي الدخل المنخفض من المهاجرين من الأرياف والعمالة الوافدة الذين ليس لديهم انتماء وارتباط اجتماعي بهذه الأحياء، وهو ما يقود إلى تعدد وتنوع الثقافات في أحياء وسط المدينة، ومع مرور الوقت تطغى ثقافة العمالة الوافدة على بعض هذه المناطق فتتحول تدريجياً إلى أحياء متخلفة فاقدة لنسيجها الاجتماعي المترابط وطابعها السكني المريح. د. عبدالله العويرضي مساعد الجويان