اطلعت على مقال أ.رضا محمد لاري المنشور في جريدة (الرياض) - العدد 15081 بتاريخ 19/10/1430ه الموافق 8/10/2009م حول مصل إنفلونزا الخنازير، وقد تفاجأت كثيراً لما حواه هذا المقال من المغالطات والمعلومات الخاطئة غير الموثقة، حيث اعتمد الكاتب وبشكل واضح في مقاله على ما يتداول من إشاعات حول الموضوع دون التحقق من صحتها أو مصادرها أو حتى الإشارة إلى مصادر المعلومات التي أوردها في مقاله. وسوف أحاول في هذا المقال أولاً الرد على عدد من النقاط في المقال والتعليق عليها ثم توضيح الحقائق العلمية حول اللقاح بأسلوب مبسط، وذلك بتوضيح ما يثار حوله من شبهات والرد عليها فأقول مستعيناً بالله: أولاً: الرد على المقال: لقد اعتمد الكاتب في مقاله هذا بشكل كبير على ما يتم تداوله من الرسائل بالإنترنت تشكك في لقاح إنفلونزا الخنازير تحذر منه ومن آثاره السلبية على البشرية جميعاً، وقد أخذ الكاتب ذلك بالنص من مقالة يتم تداولها في الإنترنت منسوبة إلى من يدعى: د.سارة ستون (صيدلانية)/ وجيم ستون (صحفي)/ وروس كلارك (محرر). وقد انتشرت هذه المقالة المترجمة بكثير من المنتديات والمواقع، ونجد الكاتب اقتبس منها كثيراً بالنص دون الإشارة إلى ذلك أو تحليله أو التشكيك فيه وقدمه للقارئ على أنه حقائق مسلّمة دون توضيح أي مرجع أو مصدر رغم أن كثيراً من هذه المزاعم لا يقبلها العقل والمنطق مثل فكرة تدمير البشرية وتقسيم الإنسانية إلى مجموعتين... إلخ ومن أراد التحقق من ذلك يمكنه البحث في الإنترنت عن هذا العنوان (كابوس مروع - أسرار منظمة الصحة العالمية) ويقارن مقالة الأستاذ رضا لاري بما يجده متداولا في كثير من المواقع. أما ما أشار إليه الكاتب في مقاله من منع استخدام اللقاح في معظم الدول حيث قال: (قررت حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية عدم استخدامه فوق أراضيها). وقال: (أعلنتكندا منعها القاطع لاستخدام اللقاح... الخ). وقال: (أُعِلنَ من أوروبا موقف بريطانيا وفرنسا وألمانيا... الخ). فإنني لا أعرف مصدر هذه المعلومات، فهي محض افتراء لم يكلف الكاتب نفسه العناء بالاطلاع على المواقع الرسمية للجهات المسؤولة عن الأمراض في هذه الدول ليرى بنفسه أن كلامه غير صحيح البتة ولم يذكر مصدر هذه المعلومات ليتبين للقارئ مصداقيتها. فالولاياتالمتحدةالأمريكية قررت تأمين 250 مليون جرعة من اللقاح وتعميمه على الفئات المستهدفة بالتطعيم، انظر الموقع الرسمي لمركز مكافحة الأمراض http://www.cdc.gov/h1n1flu/vaccination/ أما كندا فقط طلبت الحكومة 50 مليون جرعة لكافة السكان لجميع المقاطعات، وتم عمل كل الاستعدادات والتعليمات لحملة التطعيم، انظر الموقع الرسمي لوكالة الصحة العالمية بكندا للاطلاع على التفاصيل وتصريح لوزيرة الصحة الكندية http://www.phac-aspc.gc.sa/media/nr-rp/2009/2009 1007-eng.php وكذلك الحال بالنسبة لبريطانيا، حيث تم طلب ما يكفي لكافة سكان المملكة المتحدة ووضع الخطط والتعليمات للحملة، انظر موقع إدارة الصحة البريطانية http://www.dh.gov.uk/en/publichealth/Flu/Swineflu/DH106305 ولا يختلف الحال بالنسبة لاستراليا، حيث تم طلب 21 مليون جرعة، انظر موقع وزارة الصحة الاسترالية http://www.healthemergency.gov.au/intrenet/healthemergency/publishing.nst وكذلك فقد تم ترخيص عدد من اللقاحات من شركات مختلفة من الهيئات المتخصصة في أمريكا (هيئة الغذاء والدواء http://www.fda.gov/ (FDA والوكالة الأوروبية للأدوية، انظر الموقع: http://www.emea.europa.eeu/ وهذا يؤكد أن الكاتب اعتمد على الإشاعات ولم يكلف نفسه عناء التحقق من المعلومة أو أنه عمل ذلك عمداً ليدعم رأيه الذي خلص إليه وهو مطالبته بمنع إعطاء اللقاح حيث قال: (كل هذه الحقائق تجعلني أطالب بمنع إعطاد هذا اللقاح الخطير للإنسان في بلادنا حفاظاً على سلامته من النتائج الجانبية الخطيرة المدمرة التي تصيب من يُطعم به). ويعني هذا أن لديه من المعلومات ما لم يطلع عليه المختصون بوزارة الصحة الذين أوصوا باستخدام اللقاح أو أنه أحرص منهم على أبناء البلد، ولذلك عليه نشر مصادره العلمية ليستفيد منها الجميع وعليه يثبت أن الدول التي أشار إليها لم تقر استخدام اللقاح وأننا في المملكة خلاف العالم. ثانياً: حقائق علمية عن انفلونزا A (HINI( المسمى بانفلونزا الخنازير. أود هنا أن أوضح الحقائق العلمية حول هذا اللقاح بأسلوب مبسط أرجو أن يكون مفهوماً للجميع، وذلك بالرد على الشبهات التي أثيرت حوله والتي تروج لها جماعات مناهضة للتطعيم بشكل عام وهذه الجماعات معروفة في أمريكا وغيرها تبني شائعاتها على (أنصاف) حقائق علمية معروفة وتضخمها وتبني حولها نظريات غير ثابتة علمياً تجعل منها حقائق ومن يريد أن يعرف أكثر عن مثل هذه الجماعات فيمكنه البحث في الإنترنت عن (Anti Vaccine groups). الشبهة الأولى: أن اللقاح الجديد لم تجر عليه دراسات كافية للتأكد من فعاليته وآثاره الجانبية: إن اللقاحات الخاصة بالانفلونزا الموسمية معروفة وتستخدم منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً ويتم تصنيع هذه اللقاحات سنوياً باستخدام فيروسات جديدة، حيث إن فيروسات الانفلونزا تتغير سنوياً، وهناك مراكز متخصصة حول العالم متعاونة مع منظمة الصحة العالمية تقوم بعمل مستمر حول العالم لمتابعة هذه الفيروسات ودراستها وتحديد الأنواع التي يتوقع أن تكون سائدة في العام المقبل، وتعتمد الفيروسات وتعطى للشركات المصنعة لتضمينها في اللقاح السنوي وبنفس التقنية تم خلال السنوات الماضية عمل لقاح لانفلونزا الطيور (H5N1) تحسباً لأن سبب جائحة عالمية وتم عمل عدد من الدراسات على هذا اللقاح لمعرفة تحديد الجرعة المناسبة لاستحداث أجسام مناعية كافية ومعرفة أثر المضاعفات. وتم قبول هذه التطعيمات والطرق المستخدمة في تصنيعها وآلية ترخيصها والتي تستغرق عادة حوالي 6 أشهر كمثال يحتذى في حالة وجود جائحة عالمية لأي فيروس من فيروسات الانفلونزا ولذلك عندما بدأت هذه الجائحة وظهر فيروس الانفلونزا (H1N1) وتم تحديد الفيروس من قبل منظمة الصحة العالمية واعتماده كفيروس مناسب للتطعيم أعطي للشركات المصنعة المختصة وبدأت بتصنيع اللقاح بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الجائحة أصبحت في المستوى السادس وتم إنتاج اللقاح من قبل هذه الشركات وعملت عليه دراسات نشرت في محلية NEJM وتم ترخيصه وفق الآلية المتفق عليها بناءً على المعلومات والدراسات المعروفة عن لقاحات الانفلونزا السابقة من قبل الجهات المختصة مثل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية FDA والهيئة الأوروبية للأدوية EMEA والهيئة الكندية للأدوية وكذلك رخص اللقاح في استراليا، وفي مثل هذه الحالات تستمر عادة متابعة فعالية اللقاح وتسجيل المضاعفات التي قد تنتج عنه بعد الترخيص والاستخدام الفعلي. وتبين من الدراسات أن اللقاح آمن ومفيد في التحكيم بانتشار المرض وأهم مضاعفاته هي ألم وتورم في محل الحقنة عند نسبة حوالي 50٪ وارتفاع في درجة الحرارة والخمول عند نسبة أقل وعادة تستمر لمدة يوم أو يومين. الشبهة الثانية: وجود مادة السكوالين في التطعيم وما تسببه من مضاعفات مثل إنتاج أجسام مضادة لخلايا الجسم وظهور أعراض أمراض الروماتيزم والأمراض العصبية ويعزى ذلك إلى أنها سبب للأعراض التي يعاني منها الجنود الأمريكان الذين شاركوا في حرب الخليج الأولى أو ما يعرف بمتلازمة حرب الخليج: والجواب على هذه الشبهة أن هناك مواد مساعدة تُضاف للقاحات لزيادة فعاليتها بحيث تكون استجابة الجسم بإنتاج الأجسام المضادة للجرثومة المقصودة عالية، وباستخدام كميات أقل من مادة اللقاح وتستخدم هذه المواد في عدد من اللقاحات خاصة التي تكون فعاليتها غير كافية، ومن ذلك لقاحات الانفلونزا وهناك عدد من المواد المساعدة التي تحتوي على مركب السكوالين وهي مادة زيتية موجودة بشكل طبيعي في خلايا الجسم، وتستخدم هذه المادة في اللقاحات منذ أكثر من 10 سنوات، وهناك العديد من الدراسات التي أثبتت أنها آمنة ولا تسبب مضاعفات ولم يثبت أنها تسبب أي من المضاعفات المنسوبة إليها بما في ذلك ما يعرف بمتلازمة حرب الخليج وهذه المواد مرخصة لاستخدامها في اللقاحات من قبل الهيئات المختصة. الشبهة الثالثة: أن اللقاح يحتوي على الزئبق كمادة حافظة والمعروف أن الزئبق مادة سامة للأطفال وتؤدي إلى مرض التوحد: والجواب على هذه الشبهة: إن اللقاحات عندما يتم تجهيزها للتسويق والاستخدام تكون عادة إما على شكل عبوات أحادية الجرعة، أي أن كل جرعة في عبوة مستقلة لتكون جاهزة لحقنها بالإنسان، أو تكون عبوات متعددة الجرعات، أي أن العبوة الواحدة تحتوي على كمية من اللقاح يكفي لعدة جرعات عادة بين 10 - 20 جرعة يتم سحب الكمية المطلوبة بواسطة المحقن لإعطاء الحقنة للشخص المراد تطعيمه وبعضها يحتاج إلى التحضير والخلط بين مادة التطعيم والسائل المذيب كما هو الحال في بعض الأدوية. وفي هذه الحالات التي تكون العبوة متعددة الجرعات تضاف إليها مواد حافظة لقتل البكتيريا أو أي جراثيم ملوثة قد تختلط بالتطعيم أثناء تحضير الجرعات في العيادة وهذه المواد تحتوي على الزئبق كأحد مكوناتها، ولكن الكمية التي توجد في الجرعة الواحدة من اللقاح الذي يعطى للشخص لا تزيد عن 25 مايكروجرام (25 بالألف من الجرام) يتخلص منها الجسم بسرعة لا تصل إلى الحد الذي يكون ساماً حتى بالنسبة للأطفال علماً بأن الزئبق يوجد في عدد من الأطعمة كالأسماك والمأكولات البحرية بكميات أكبر من ذلك بكثير. وتستخدم هذه المادة الحافظة في اللقاحات من سنوات عديدة ولم يثبت علمياً أن لها أي مضاعفات بما في ذلك ما يُثار حول علاقتها بمرض التوحد أو التخلف العقلي عند الأطفال، والحقيقة العلمية الثابتة أنه لا يوجد ما يثبت علاقة ثابتة بين اللقاحات عموماً بما فيها لقاح الانفلونزا وبين مرض التوحد عند الأطفال وما أثير حول هذه العلاقة في التسعينات لم تثبته الدراسات العلمية اللاحقة، وكون معظم لقاحات الأطفال تعطى في السنتين الأوليين من عمر الطفل يتزامن مع ظهور أعراض التوحد في هذا العمر فهي علاقة تزامنية وليست سببية. وتستخدم العبوات متعددة الجرعات في الحملات التطعيمية لأنها أنسب وأرخص وهي مرخصة في معظم دول العالم بما فيها معظم الدول الأوروبية، ولكنها ممنوعة في الولاياتالمتحدة منذ عام 206م ومع ذلك قامت بعض الولايات برفع هذا الحظر بالنسبة للقاح انفلونزا الخنازير. أما بالنسبة لدور الشركات في تضخيم الموضوع من أجل الكسب المادي وتواطؤ الشركات مع منظمة الصحة العالمية ودور دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق وديك شيني نائب الرئيس الأمريكي السابق في الموضوع. بالنسبة لي كل هذه الأمور لا يوجد ما يسندها وتظل شائعات يتناقلها الناس ويؤمن بها من يؤمن بنظرية المؤامرة التي أصبحت شماعة نعلق عليها كل ما يجري لنا، وأقول لكل من يؤمن بهذه المؤامرة ويتبناها (شدوا حيلكم) واجمعوا الأدلة الدامغة التي تدين هؤلاء من شركات وأفراد وارفعوا عليهم قضية أسوة بشركات التبغ والله ينوبكم.. أرجو أن أكون قد وفقت في هذا التوضيح المختصر وأكون بينت بعض الإشكالات وأجبت عن بعض التساؤلات التي تدور بأذهان الكثيرين جراء كثرة الشائعات وتضارب الأقوال حول لقاح انفلونزا الخنازير والله الموفق. * أستاذ مشارك واستشاري الأمراض المعدية كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - جامعة الملك سعود