عندما وقف في مشهد كبير جمال الدين الأفغاني أمام حشود هندية هائلة وقت استعمارها من قبل بريطانيا قال: «والله لو كنتم ذباباً لآذيتم بطنينكم آذان الإنجليز»، فكان يرى أن هذا الكمّ الهائل من البشر كيف يقبل الهزيمة من سكان جزر لا يساوون نصف ولاية آنذاك؟ ويمكن أن يُعاد هذا القول على العالم الإسلامي الذي تشكّل مجاميعه أكثر من مليار إنسان تتلاعب بمقدساتهم إسرائيل وتستهزئ دول مثل بريطانيا، وفرنسا، وهولندا، والدنمارك بنبيهم ومعتقداتهم.. في هذا المضمار من السباق لا نطالب بشن حروب، أو خلق فوضى يستفيد منها المتطرفون ، أو الاعتداء على مقدسات الآخرين، وإنما إدراك كيف وصلنا إلى حالة التسليم المطلق بعجزنا عن المجابهة بأدوات أكثر تأثيراً وقوة على مختلف القوى التي تعادينا؟ فالزعامات الصهيونية منذ بدايات الهجرة الأولى لفلسطين، والتمويل المادي والعسكري ، وتشجيع القوى المناصرة لهم بالدعم مستمرة، ولا تزال فاعلة حتى اليوم، حتى إن بلايين الدولارات تقدم كل عام لتوسيع دوائر الاستيطان، والمشاركة في البحوث العلمية والعسكرية والمدنية، ولذلك أصبحت من خلال هذه المخططات قوة تناطح العالم الإسلامي برمته، في الوقت الذي نجد المليار مسلم عاجزين عن تأمين غطاء سياسي، ومادي ومعنوي لتهديد إزالة معالم الإسلام، ومن ثم تكرار اقتحام المسجد الأقصى.. صمتُ أمريكا هو تواطؤ حقيقي مع المشروع الصهيوني، بل إن هناك طوائف مسيحية متشددة أصبحت أكثر تطرفاً من الإسرائيليين، وأوروبا لا تقل ميلاً إلى إزالة معالم فلسطين كلها وتوريثها لليهود، ومع ذلك فكل ما يجري لا يصل إلى أن يمتلك العالم الإسلامي قوة ردع في حماية مقدساتهم وحقوقهم الطبيعية في التعايش مع الشعوب والأديان كلها.. إسرائيل تتلاعب بمشاعر المسلمين، والقضية ليست مناورة القصد منها إثارة هذا العالم، وإنما هي خطط مبرمجة تقيس بها قدرة المسلمين ورد الفعل عندهم عندما يوضع الأقصى في مشروعهم لبناء الهيكل المزعوم كبديل عنه، والأمر هنا لا يتعلق بمن يملك القوة فقط، فقد تحدث هزات كبرى تظاهرات، وتدمير للممتلكات إسرائيلية وغربية، وكنائس ومعابد، ولكن مثل هذا التعبير بالصدمات يمكن امتصاصه بأساليب أكثر حذقاً كما حدث أثناء إحراقه، واقتحام شارون له.. نعرف أن من يتلاعبون بنار المقدسات ليست لديهم المناعة الكاملة من رد الفعل الغاضب، وإذا ما استمرت إسرائيل في التلاعب بعواطف المسلمين وتحديهم، فإن أكثر من نافذة ستنفتح على أبواب الإرهاب والذي سيأخذ عنواناً مقدساً، وأمريكا في شخص زعيمها الراهن والعاملين معه يتحملون الخطأ وتبعاته، ويكفي أن إسرائيل تعطي عذراً ومستنداً للقاعدة وغيرها لأنْ يتقدموا أكثر من خطوة مدمرة باسم الدفاع عن الأقصى، وليس هذا استجداءً أو تخويفاً ظاهرياً، وإنما هو إنذار لتبعات ما سيجري، وقد يعم الضرر أكثر من جهة تزايد عليه، أو تجعله هدفاً لتمرير سياسات أخرى، وما لم يوجد الرادع لإسرائيل فقد تصل الأمور إلى حروب مقدسات، وربما تكون فصلاً آخر بتشييد أكثر من جدار مانع بين المسلمين ، ومن يتلاعبون بمقدساتهم..