أصدر صندوق النقد الدولي هذا الشهر تقريره الدوري عن مستقبل اقتصاد المنطقة Regional Economic Outlook ، وخصّ دول مجلس التعاون بعدد من الرؤى والتوصيات الحرية بالمناقشة قبل أن يتم إقرار خطط الإنفاق الحكومي للعام القادم، نظراً إلى أن تلك التوصيات ذات علاقة وثيقة بتلك الخطط. وعلى وجه الخصوص يدعو الصندوق دول المجلس إلى الاستمرار في معدلات الإنفاق الحكومي خلال عام 2010م لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية التي أثرت بشكل ملموس على اقتصاد المنطقة. وأشاد التقرير بالسياسات المالية التحفيزية التي تم تبنيها في دول المجلس وعزا إلى تلك السياسات النجاح الذي حققته تلك الدول في مواجهة الأزمة المالية العالمية مقارنة بالمناطق الأخرى في العالم. ولكنه حذّر من أن وقف تلك السياسات التحفيزية عن طريق تخفيض الإنفاق الحكومي قد يسبب نكسة في طريق الخروج من مرحلة الكساد الاقتصادي الذي تسببت فيه الأزمة المالية العالمية. ولبيان أهمية تلك السياسات المالية، أشار صندوق النقد إلى أن الانخفاض الملموس في دخل دول المجلس من البترول قد أدى إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي النفطي بنسبة فاقت 5%. ومع ذلك فإن القطاع غير النفطي – بما في ذلك القطاع الحكومي – قد عوض عن ذلك الانكماش الشديد، حيث حقق زيادة في النمو تجاوزت 3%، مما أدى إلى التخفيف من حدة تأثير الأزمة على الاقتصاد الخليجي الذي يتوقع أن ينمو في مجمله بنسبة 0.7% بنهاية هذا العام. ولذلك فإن خطط الإنفاق الحكومي لعام 2010 يجب أن تأخذ بعين الاعتبار النتائج الإيجابية للإنفاق الحكومي خلال عام 2009. وتبرير ذلك أن هناك تخوفاً في جميع أنحاء العالم بأن الأزمة الاقتصادية ما زالت في أوجها، على الرغم من التباطؤ الذي حدث في بعض معدلات الانكماش الاقتصادي، ولهذا فإن إلغاء أو وقف خطط الإنعاش الاقتصادي قد تؤدي إلى نكسة نحو معدلات أكثر سوءاً، فهناك مؤشرات عدة ما زالت سيئة، فمعدلات البطالة ما زالت في ازدياد في عدد كبير من الدول، ففي الولاياتالمتحدة مثلاً، ارتفع معدل البطالة إلى 9.8% الشهر الماضي، ويتوقع أن يتجاوز ذلك بنهاية هذا الشهر، وما زالت معدلات الإفلاس مرتفعة فيها، وازداد عدد البنوك التي انهارت في عام 2009م ليبلغ 102 بنكاً هذا الشهر، ولعلنا سمعنا خطاب الرئيس الأمريكي هذا الأسبوع يشكو فيه من تردد البنوك في الإقراض، خاصة للشركات المتوسطة والصغيرة، وهو مؤشر آخر على انخفاض معدل الثقة في مستقبل الانتعاش الاقتصادي. وبطبيعة الأمر فإن تحديد حجم خطط التحفيز الاقتصادي لعام 2010 يجب أن تأخذ بعين الاعتبار عوامل أخرى أيضاً، مثل معدلات التضخم ومعدلات النمو المتوقعة في القطاع النفطي، سواء فيما يتعلق بالطلب العالمي على النفط أو الأسعار، ولكن الاعتبار الأساسي هو ألا تفترض بأننا قد تجاوزنا قاع الدورة الاقتصادية السيئة التي نمر بها.