عندما رُزقت بطفلي الثاني أسميته خلادا كما أسميت أخاه الاكبر خالدا ، اتفقت انا وزوجي على ان نشكر الله كثيرا على هذه الهبة الكبيرة ، وان نحسن تربيتهما ، وعاهدنا الله ان نحاول ان نعدل بينهما ولا نفرق بينهما في التعامل والعطاء ، ومضت الايام ، وكبر الولدان ودخلا المدرسة ، ، ومع بداية المدرسة بدأ الفرق يتضح جليا بينهما ، وبدأ المعلمون يتعجبون من اختلاف الاخوين في السلوك والهمة والنفسية والنشاط والتعلم ومدى تحمل المسؤولية ، وكانت شكواهم دائما ان خالدا مجتهد وذكي ونشيط ومتعاون مع زملائه يؤدي واجباته ويهتم بكتبه ويحافظ على ادواته ، بينما خلاد لا يشبهه في شيء غير ان له نفس الوجه والملامح الخارجية فقط ، والا فان خلاد كثير تثاؤب ، بطيء الحركة ، لا يبالي بواجباته ، ولا يحافظ على كتبه ، ودائما ماتكون اقلامه وتلاوينه مفقودة او معطوبة ، ويتعجب المعلمون كيف يمكن لأخوين شقيقين يتربيان في بيت واحد وباسلوب واحد ان يكون بينهما هذا البون الشاسع !!!... **** هكذا كانت شكوى ام خالد عندما زارتني في العيادة ، وعندما تكلمت معها ، وجدتها تتفهم كثيرا اثر اختلاف القدرات الفطرية لدى الاطفال بعضهم عن بعض ، ومدى الاستعداد النفسي لتحمل المسؤولية ، والقدرة على التنظيم والترتيب والابتعاد عن الفوضى ... **** كانت ام خالد في حاجة لان تعرف مدى اهمية تعليم الابناء تحمل المسؤولية منذ الصغر بطرق تتناسب وقدرات الطفل النفسية والعقلية ، فالاطفال في حاجة الى فرص لاثبات انهم قادرون على تحمل المسؤولية في افعالهم وفي واجباتهم المدرسية وفي اعمالهم المنزلية وفي نظافتهم الشخصية وفي علاقاتهم مع الاخرين ، ولذلك فلابد من اعطائهم الثقة، وتمكينهم من اتخاذ القرارات ، وتحملهم نتائج مايصنعون ... **** وافضل وسيلة لتعلم الطفل المسؤولية هو اسناد المهمات له واعطاؤه الثقة والاختيار ، بشرط ان تكون هذه المهمات مقصودة ولغرض المساعدة وليست عبارة عن عقوبات ، فالعقوبات بطبيعتها غير محببة ولا تنتج شخصية مسؤولة واثقة من نفسها ، كما يجب ان تكون هذه المهام المقصودة مستمرة وغير منقطعة ، كما يجب ان يكون مدى القدرة على الاعتماد على النفس موضع اهتمام الابوين وتشجيعهما والثناء عليه امام الاخرين ، فإن كان هناك جوانب سلبية فينبغي مناقشتها بهدوء ، دون عتاب اوخدش للذات ، ليفهم الطفل ان الغرض من هذا النقاش هو تجنب تكرار هذه السلبيات والحصول على الكمال في المرة القادمة .. **** يخطئ كثير من الآباء عندما يتحدثون مع ابنائهم مدحا او نقدا ، فيصبون هذا المدح او النقد على الذات او على الشخص ، بينما يفترض ان يوجه هذا المدح الى ذات العمل الجيد ، وان يصب ذلك النقد الى ذلك العمل الخاطئ ، فيقال مثلا ( لقد قمت بعمل جيد حين رتبت سريرك ) او يقال له ( لقد قمت بعمل خاطئ حين صرخت في وجه اختك الصغيرة ) ودعوا عنكم تجريح الشخص او توصيف الذوات او تنقيصها بعبارة السب والشتم والتشبيه بالحيوانات ، فهذه الطريقة تحطم في الطفل شخصيته وتزيده عدوانية وعنادا ويفقد الثقة بنفسه وبمن حوله ، لانه سيكتشف حينها ان حب ابويه له حب مشروط بالكمال وعدم الخطأ ، وانه بعد فقدان هذا الحب لن يخسر شيئا كثيرا مهما عمل بعد ذلك .. وللحديث بقية وعلى دروب الخير نلتقي.