مُنحت جائزة نوبل في علم الاقتصاد الأسبوع الماضي لعالمين أمريكيين هما Elinor Ostrom و Oliver Williamson اللذين اشتهرا بأبحاثهما في الاقتصاد التطبيقي التي خرجت عن المألوف الأكاديمي وانتقدت كثيراً من التنظير الذي بلغ حد الشطط، خاصة فيما يتعلق بإغفال تأثير العوامل المجتمعية والثقافية والمؤسسية في الظواهر الاقتصادية. وربما كان من المسلمات خارج مهنة الاقتصاد أن العوامل المجتمعية تلعب دوراً كبيراً في التغيرات الاقتصادية، على الأقل في المدى القصير، ولكن معظم علماء الاقتصاد يسعون لتفسير جميع الظواهر الاقتصادية بعوامل اقتصادية، بل يسعى قلة منهم، مثل Gary Becker الذي حاز على جائزة نوبل في الماضي، إلى تفسير جميع العلاقات الاجتماعية تقريباً، مثل الحب والزواج وعدد الأطفال، بعوامل اقتصادية في الدرجة الأولى. وقد سعى كارل ماركس في تحليل مفصل في كتابه المشهور Theories of Surplus Value إلى أن يفسر العلاقات السياسية والمجتمعية بعوامل اقتصادية بحتة، ولكنه اضطر في نهاية المطاف إلى الاعتراف بأن الاقتصاد هو محدد في التحليل الأخير، ولكنه لا يستطيع تقديم تفسير كامل لتلك العلاقات على المدى القصير والمتوسط. ومع أن ماركس نفسه رأى الحاجة إلى دراسة العوامل غير الاقتصادية، إلا أن علم الاقتصاد (الرأسمالي) تطور بشكل اختزل معظم المؤثرات إلى مؤثرات اقتصادية، وهذا ما تراه في معظم النماذج القياسية الاقتصادية، وما يفسر عدم قدرتها على تقديم تفسير كامل، أو التنبؤ بشكل كامل، للتطورات الاقتصادية. ومن هنا تأتي أهمية جائزة نوبل هذا العام في التذكير بأهمية التحليل الواقعي في الاقتصاد، مع أنها ليست المرة الأولى التي مُنحت فيها الجائزة لعلماء من المدرسة الواقعية. والبروفسورة أوستروم (من جامعة إنديانا – بلومنجتون) هي أول امرأة تفوز بجائزة الاقتصاد، وقد كتبت كثيراً عن أهمية العلاقات المجتمعية والمؤسسية في إدارة الموارد الطبيعية وعن الآثار الضارة للنظرية التقليدية التي أغفلت تلك العلاقات. أما البروفسور ويليامسون (من جامعة كاليفورنيا – بيركلي) فقد ركز على تأثير الهياكل التنظيمية للمؤسسات العامة والخاصة على أدائها الاقتصادي، وهو أيضاً من القضايا التي قلما يتم تضمينها في النماذج الاقتصادية. ولعل لجنة الجائزة بتكريم هذين العالمين تنتقد ضمناً عدم قدرة كثير من الاقتصاديين على توقع الأزمة المالية التي أدت إلى انهيار شبه كامل في الاقتصاد العالمي السنة الماضية، وفاتتهم بعض العوامل الرئيسة – غير الاقتصادية – التي أدت إلى الأزمة. وكما أدت الأزمات الاقتصادية الماضية إلى إعادة النظر في كثير من المسلمات الاقتصادية، فإن هذه الأزمة أيضاَ قد بدأت في إثارة بعض التساؤلات في إدارة الاقتصاد الكلي والجزئي على حد سواء، وربما رأينا في الأشهر القادمة الكثير من الاهتمام بنظريات هذين العالمين اللذين خصصا جزءاً كبيراً من حياتهما الأكاديمية للتذكير بأهمية التحليل الواقعي.