يعيش مجتمعنا جملة من المتغيرات الاجتماعية التي لها اثار سلبية وايجابية خلقت ضغوطا نفسية مختلفة أدت إلى ظهور الأمراض النفسية والجسدية، خصوصا لدى النساء اللاتي لجأ بعضهن إلى البحث عن علاج سواء في المراكز الصحية المتخصصة أو ما يعرف ب"الرقية الشرعية". "الرياض" تتناول موضوع الرقية الشرعية في هذا التحقيق من زاويتين، هما: البحث عن الكسب المادي، وربما يصل البعض بكرة الكسب إلى التدليس والنصب والمتاجرة بأحلام الناس الذين ينشدون العلاج بأي ثمن ووسيلة!، والجانب الآخر هو ضرورة تنظيم عمل الراقيات الشرعيات اللاتي بدأن ينافسن الرجال. نحتاج إلى تنظيم في البداية تحدث "أبو خالد" قائلاً: لا احد يختلف عن فضل العلاج بالقرآن الكريم، وكثير من الناس تم شفاؤهم بفضل "الرقية الشرعية" ولله الحمد، ولكن هناك أشخاصا استغلوا حاجة الناس وأصبح الربح المادي هدفهم الأول، وهذا الكلام ينطبق على البعض وليس الجميع، فهناك أناس متطوعون لا يأخذون ريالاً واحداً إنما يبتغون الأجر من الله عز وجل. وأضاف أن عدداً من النساء يزاحمن الرجال في "الرقية الشرعية "، ولذلك يجب على الجهات المعنية التأكد من عملهن، لان هناك غموضا كبيرا حول ما يقمن به، فعلى سبيل المثال حدث أن تعبت ابنتي بشدة وكنت لا اعرف ماذا اعمل فجميع المستشفيات ونتائج التحاليل تؤكد سلامتها، بعد ذلك قررت أنا وزوجتي التوجه إلى إحدى الراقيات الشرعيات، وعندما شاهدت ابنتي قالت "سوف اقرأ عليها ولكن الرسوم هي: إذا أردت أن يتكلم الذي بداخلها (تقصد الجان) فادفع 1000 ريال، وإذا لم ترد ذلك فادفع 700 ريال!!"، بعد ذلك خرجت منها وأنا كلي حزن على ما وصلنا إليه من استغلال. كما تحدث عبدالله البندر بقوله: يجب أن يتم تنظيم عمل الرقاة الشرعيين، ووضع قائمة بأسماء المرخص لهم، ومواقعهم، ومواعيد عملهم، إلى جانب إمكانية تخصيص مكاتب لهم داخل المستشفيات أو مراكز الأحياء الصحية، مؤكداً على أن هناك من يستغل المهنة للكسب المادي فقط دون النظر لحالة المريض ووضعه النفسي، فعلى سبيل المثال بعض الرقاة تذهب إليه ويعرض عليك العسل والزيت وماء زمزم وغير ذلك بأسعار غير معقولة!. وأضاف أن دخول النساء مجال الرقية الشرعية يحتاج إلى تنظيم، وقد حدثت مع زوجتي قصة عند إحدى الراقيات، فقد كانت زوجتي تعاني من كثرة إسقاط الحمل، وذلك بسبب وجود مشاكل في الرحم، فعندما شاهدت الراقية زوجتي بدأت تقول وبصوت عالٍ "أخرجوها لن أقرأ عليها أخرجوها"، وعندما خرجت زوجتي اتصلنا على الراقية وسألناها عن هذا التصرف فأجابت أن زوجتي "لا تستطيع أن تحمل طوال حياتها ولن تنجب ذكوراً!!"، مشيرا إلى انه يعيش بسعادة مع زوجته وقد رزقهما الله عددا من الأطفال ذكوراً وإناثاً والحمد لله. كما تحدث احمد الصالح قائلا: أنا لا أثق إلا في الرقاة فقط، وأما الراقيات فمن الواضح أن بعضهن هدفهن مادي -على حد تعبيره-، وحتى لو لم يكن هناك أي مقابل مادي من المستحيل أن اجعل زوجتي أو أختي تدخل على راقية وأنا لا اعرف من هي؟، وما ذا يحصل لها!. وأضاف: هناك عدد من النساء العربيات يمارسن الرقية وبصورة غير معلنة، لذلك يجب أن تحذر النساء من هذه الجنسيات الدخيلة علينا والتي لا تسعى إلا للمصلحة فقط. الفتن الأربع! من جانبه تحدث ل "الرياض" احد الرقاة وهو الشيخ فهد السحيم إمام جامع الأمير مشاري آل سعود، وقال: كثيرا ما يثار الجدل الواسع والعريض عن قضية الرقاة بين مؤيد ومعارض، فمن الناس من يجحف في حقهم ويقصي الرقاة وفائدة وجودهم جملة وتفصيلا، ومن الناس من غالى فيهم حتى أصبح لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم فيهم حتى لو صدر من بعضهم "الطوام" التي لا يمكن أن تغتفر. وأضاف: يجب أن يعرف الجميع أن الراقي معرض لفتن عظيمة، والتصدي لرقية الناس فيه "مزلة قدم"، ولا يثبت إلا من ثبته الله، فالراقي يتعرض لأربع فتن عظيمة كل واحدة أعظم من الأخرى، الأولى فتنة المال، فقد يكون في بداية الأمر محتسبا، ثم يتهافت الناس عليه بالأموال الطائلة فيغفل عن الهدف الأساسي وهو نفع الناس، والفتنة الثانية فتنة النساء وما يتعرض له من بعض ضعيفات النفوس لإغوائه أو من تلبس الشيطان ببعضهن، ويحاول الشيطان أن يغري ويفتن الراقي ويجعل المرأة تتكشف عندما يصرعها بقصد فتنته. والفتنه الثالثة فتنة الإعجاب بالنفس، وكثيرا ما يحاول الشياطين فتنة الراقي وإدخال العجب عليه بأن إيمانه قوي، وأنه استطاع طرد الشياطين، فيغتر بنفسه بعد أن كان متوكلا على الله، فيسقط من ارتفاع شاهق من مديح الشياطين ومديح الناس الذين يبالغون بدورهم في مدح الراقي في وجهه، حينها يتسلط الشياطين عليه فإما أن يعرضوا عليه التعاون معهم أو يؤذونه في مسكنه وفي نفسه، وهذه هي الفتنة الرابعة، أقصد الأذية وعروض الشياطين على الراقي أن يتعامل معهم، وأوردت ذلك حتى يعلم من أراد التصدي لرقية الناس على ماذا يقبل، وليعلم الناس أنه ليس لأي أحد من عوام الناس أن يتصدى لمثل هذا الأمر العظيم لزاما. صفات الراقي الشرعي وعن صفات الراقي الشرعي قال السحيم: يجب على الراقي أن يرقى بكلام الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وألا يرقى بكلام وطلاسم غير معروفة، فلينتبه كل من يذهب للرقاة، فإذا سمع تمتمة غير مفهومة أو كلمات وأسماء غريبة، أو طلب منه اسم أمه أو شيء من أثره أو ملابسه الداخلية، فهذا ليس براقٍ شرعي وإنما دجال، كما يجب أن يكون الراقي على درجة من الدين والاستقامة في نفسه وقدوة لغيره في مظهره وتأديته للفرائض، فروح الراقي إذا علت في سماء الإيمان واليقين كان تأثيره أبلغ، وكلما كان إيمان الراقي بكلام الله أنه شافٍ بيقين وإيمان تام ويقرأ وهو معظم لكلام الله حق التعظيم حينها يحصل النفع بإذن الله، وكما قيل "القرآن سيف ولكن بضاربه"، خصوصا إذا اجتمع إيمان من المريض بأن كلام الله سيشفيه تحقيقا لا تعليقا مع شعور بعظمة الخالق سبحانه وتعالى وأنه قادر على كل شيء. كما يجب على الراقي أن يكون حذرا في تعامله مع النساء ولا يقرأ عليهن إلا بوجود محرم، وأن تكون المرأة بحجابها الشرعي ولا تبدي أي شيء من زينتها، وللأسف بعض أولياء الأمور يترك المرأة مع الراقي لوحدها في خلوة غير شرعية، وبعضهم يبتعد كثيرا عن الراقي أثناء الرقية على موليته ولا يكترث من لمس الراقي لمحرمه، فلمس المرأة لا يجوز وليس هناك حاجة للمسها فالقرآن نور ويصل إلى المريضة من غير لمس. الرقية ضرورية كما شدد السحيم على أنه لا بد أن يعرف الجميع أن وجود الرقاة أمر ضروري وإلا لذهب الناس إلى السحرة والمشعوذين، وقد يقول قائل لماذا لا يقرأ الناس على أنفسهم ولا يذهبون للرقاة ولا لغيرهم؟، هذا حسن أن يتوكل الناس على الله، ولكن بعض الناس لا يستطيع أن يقرأ على نفسه، وبعض الحالات تصرع بمجرد سماع القرآن، وأصبح مرضه مزمنا كأمراض السكر والضغط إذا أخذ العلاج هانت عليه كثير من الأمور، وإذا ترك العلاج تعب وذهب إلى المستشفى، وهذا هو شأن المصابين بمس أو سحر -عافانا الله وإياهم-، إذا ذهب لراقٍ تحسنت أحواله، وإذا لم يجد من يرقيه تعب وتنغصت عيشته، لذا لا بد أن نؤمن أنه لا بد من وجود الرقاة، وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم ورقى الصحابة كما في قصة اللديغ، ورقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم حينما سحره اليهودي لبيد بن الأعصم. ملاحظات على الرقاة وحول السلبيات التي على الرقاة أكد السحيم أنها المبالغة في أخذ مبلغ على الرقية، وقبل أن نتحدث عن ذلك ليعلم الجميع أن أخذ المبلغ على الرقية جائز شرعا، وقد أخذ الصحابة جٌعلا على الرقية وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، وقال "اضربوا لي منها بسهم"، وذلك أيضا في قصة اللديغ، لكن الجشع الذي يحصل من بعضهم هو الذي قد يجعل فعلهم ينتقل من الجواز للحرمة، حيث يعمد بعضهم للقراءة في خزان كبير أو في صهريج للماء لكي يبيع كمية أكبر للناس. وأضاف: ومن الملاحظات التشخيص والجزم به عند بعض الرقاة، كأن يقول للمريض "أنت فيك مارد قوي وتحتاج لرقية واحد وعشرين يوما، أو أنت فيك عين قوية.. الخ"، وغير ذلك من التصنيفات التي تجعل حالة المريض تتدهور، مع العلم أنه لا يمكن للراقي أن يجزم بنوع المرض مائة بالمائة، ولكن الذي يجزم به هو أن المريض سينتفع بكلام الله، وإنما ينبغي أن يجعل المريض يتفاءل ويعطيه الحلول بدلا من جعله يغوص في المشكلة ويغتم منها ويهتم. وحول اقتحام النساء لمجال الرقية الشرعية قال السحيم: ينبغي أن ينتبهن لما ذكرنا من قبل، ومن يريد الذهاب لهن لا بد أن يعرف بدقة مدى صلاح تلك المرأة، فلا يضعها وليها عند امرأة ادعت الرقية ولا يعرف من هي، وماذا يحصل خلف الأبواب المغلقة، إلى جانب معرفة طريقة قراءتها، لأن المرأة يكون وضعها أكثر غموضا من الرجل الذي يقرأ فلا بد من التحري عند الذهاب إليها أكثر. "الهيئة" ومراقبة الرقاة من جانبه أكد الشيخ الدكتور تركي الشليل المتحدث الرسمي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض أن دور جهاز الهيئة في متابعة الرقاة الشرعيين هو دور موحد لا يختلف إن كان الراقي رجلا أو امرأة، ويتم هذا عن طريق لجنة مشكلة من عدة جهات، ومن ضمنها مندوب من الهيئة على مستوى من العلم الشرعي له الخبرة في مجال الرقية الشرعية، ومهمة هذه اللجنة هي زيارة الراقي وإذا كانت راقية يتم زيارتها عن طريق عناصر نسائية وكتابة التقارير اللازمة والتي من خلالها تجتمع اللجنة وتدرس التقارير، فإذا رأت اللجنة أن عمل الراقي أو الراقية صحيح ولا يوجد به مخالفة سمح لهم بمزاولة أعمالهم، وإذا تم منع الراقي أو الراقية من ممارسة الرقية الشرعية فهناك تعميم يصدر إلى كافة فروع الهيئة ومراكزها بالإضافة إلى أقسام الشرطة بأسماء الممنوعين ويتم القبض عليهم في حالة ممارستهم لهذه المهنة. وأكد الشليل على أن اللجنة الخاصة بمتابعة الرقاة الشرعيين قد أوقفت 109 أشخاص عن مزاولة الرقية منذ انشائها عام 1419ه مابين نساء ورجال، وذلك بسبب مخالفات شرعية إضافة إلى المبالغة في الأسعار أو مخالفات أخلاقية. وطالب المواطنين عبر "الرياض" بالتوجه إلى اقرب مركز لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقديم بلاغ رسمي في حالة وجود راقٍ أو راقية يوجد لديها مخالفات شرعية.