مثل كل الاطفال كنت أحب الألعاب وأعشق شراءها .. غير أنني بعكس كل الاطفال كنت أسارع لتفكيكها وتكسيرها ان لزم الأمر لمعرفة كيف تعمل وتدور من الداخل .. وذات يوم قالت لي والدتي بهدوء : "إن كنت تفكر باختراع شيء فاخترع لي مكنسة تعمل وحدها" .. وقد أدهشتني الفكرة ببساطتها وتذكرت فورا "سيارة النجدة" التي أهدانيها خالي وكيف تتوجه وحدها وتعود إدراجها كلما اصطدمت بأحد الجدران .. ولكن ؛ رغم بساطة الفكرة حالت الامكانات دون إنتاج مكنسة كهذه وفشلت في تحقيق حلم الوالدة التي تعد بنظري صاحبة الأسبقية في هذا الاختراع ! .. واليوم أتذكر هذا الموقف كلما رأيت إعلانا أو دعاية لمكنسة كهربائية تعمل وتحوم وحدها .. بل قرأت مؤخرا أن شركة سامسونج حشرت (في المكنسة) تقنية ملاحية متقدمة كانت حتى الآن حكرا على الصواريخ العسكرية .. فقد استعانت بنظام ملاحة يخزن في ذاكرته صور المنزل ويغطيها الواحدة تلو الآخرى . وهي تحمل في رأسها كاميرة فيديو تقارن الصور وتضمن عدم عودة المكنسة للمناطق التي " شفطتها " من قبل .. وهو نظام تعتمد عليه صواريخ كروز الامريكية التي تخزن في ذاكرتها صورة واسعة (للمدينة) ثم تقارنها بالصور التي تلتقطها الكاميرا في رأسها فتضرب الهدف بدقة مدهشة !! والغريب هنا ان هذه المكنسة أثارت قلق وزارة الدفاع الامريكية التي تملك حتى الآن حق استخدام هذا النظام؛ فهي تخشى حصول الارهابيين على (المكنسة !!!) وانتزاع نظامها الملاحي واستعماله لتوجيه الصواريخ أو اسقاط الطائرات !! ... على أي حال ؛ هذه ليست المرة الأولى التي تنزل فيها تقنية متطورة (بمستوى الصواريخ) إلى استعمال متواضع (بمستوى المكانس) ؛ فبعد تفجيرات سبتمبر اتهمت الإدارة الامريكية "لعبة طيران إلكترونية" بتدريب الإرهابيين على التحليق فوق نيويورك . وهي لعبة محاكاة كانت تنتجها شركة ميكروسوفت تتضمن الطيران فوق مباني نيويورك والتجول بينها (ويمكن للاعب ان شاء الاصطدام بمبنى التجارة الدولى أو الامباير ستيت) .. وأذكر أيضا ان شركة سوني ووجهت بضغوط سرية للتخفيف من تقنية التوجيه في جهازها الخارق (بلاي ستيشن3) . فهذه اللعبة تضم شرائح كمبيوتر متطورة يمكن أن تستخدم لتسيير الصواريخ والطائرات والتحكم بها عن بعد. فبدل ان يتحكم اللاعب بسيارة سباق او مصارع عملاق يمكن بتحوير بسيط استعمال ذات الشرائح للتحكم بتسيير صاروخ نووي او غواصة ذرية !!! ... وبطبيعة الحال ؛ لا يمكن للبلاي ستيشن ولا أي كمبيوتر متقدم أن يضاهي مخ الانسان (ولا حتى مخ الذبابة) في الامكانات المتقدمة والمبادرة الذاتية . وعلى هذا الاساس تصور امكانات التفاعل بين مخ حقيقي وأجهزة تكنولوجية وعسكرية متطورة .. بمعنى ؛ بدل وصل تلك الصواريخ بشرائح البلاي ستيشن تصور شبكها بمخ (مقطوع) لتسييرها والتحكم بها !! وحتى وقت قريب كانت هذه الفكرة خيالية ولايمكن تنفيذها الا في السينما. إلا انني قرأت قبل أيام على موقع BBC خبرا عن نجاح العلماء في تسخير مخ قرد لتحريك رجل آلي .. وهي تجربة (تفسر عنوان المقال) تم خلالها وضع مجسات على جمجمة القرد لالتقاط اشارات المخ ونقلها الى كمبيوتر يحرك من خلالها الأذرع الآلية ... وفي نوفمبر الماضي عرض متحف لندن للعلوم رجلا آليا يرى الدنيا بواسطة (عين سمكة) شبكت بشرائح الكترونية ووضعت في مقدمة الرجل الآلي بحيث أصبح بإمكانها تتبع الضوء وارسال الاشارات الى الروبوت للتحرك بهذا الاتجاه او ذاك .. ومثل هذه التجارب تعني انه يمكن مستقبلا الاستعانة بمخ السمكة لإعادة السمع والبصر ، أو مخ القرد للتحكم بالصواريخ والقاذفات ، أو دماغ الأرنب للتحكم بمكوك الفضاء والاقمار الاصطناعية ... وكل هذا بقيمة سمكة ميتة أو قرد يتيم أو ضب يفضل التضحية بنفسه على استنشاق "شكمان" الونيت !!