الحديث مع مؤسس نادي القرن في قارة آسيا الشيخ عبدالرحمن بن سعيد ذو شجون عريقة.. تاريخية.. وحملة التشكيك التي يواجهها ناديه - الهلال - اليوم منذ إعلان فوزه بهذا اللقب القاري ليست وليدة الصدفة.. وإنما هي ضاربة في أعماق التاريخ الرياضي.. وتمتد جذورها إلى ما قبل نصف قرن وفق رواية مؤسسه الشيخ عبدالرحمن بن سعيد «متعه الله بالصحة والعمر المديد». استضفناه اليوم ليحدثنا عن بعض الجوانب التاريخية لهذا النادي العملاق الذي حطم كل الأرقام القياسية ببطولاته ال 49 محلياً وخارجياً.. وشرف الكرة السعودية بإنجاز آسيوي جديد.. وبيض وجه أنديتها على الساحة القارية. أمان أول كباتنة الهلال * من هو أول لاعب تقلد شارة قيادة نادي الهلال.. وما هي معايير اختيارك له؟ - عملاق الدفاع الفنان صالح أمان -رحمه الله- واختياري له جاء لأنه مميز في مستواه الفني الرفيع على مستوى المنطقة الوسطى وهو من اللاعبين الذين خرجوا معي بعد حادثة الانقسام الشبابي في عام 1377ه وأتذكر قبل التسجيل الرسمي لأندية الرياض وتحديداً بين عامي 77-1378ه أنني تلقيت برقية من نادي الوحدة بمكةالمكرمة تطلب فيها الاستعانة بخدمات اللاعب صالح أمان لمشاركتهم في مباراة ودية دولية ضد أحد الفرق المصرية وكان نصها: «نريد صالح أمان ليساهم في دفاع الوحدة أمام أحد الفرق الخارجية». رحبت بالدعوة وقلت أهلاً وسهلاً فنحن على أتم الاستعداد لتلبية طلبكم ولو أردتم الفريق بأكمله لجاء إليكم. ذهب صالح أمان وخاض المباراة فكان من أبرز نجومها. وبالمناسبة عندما ذهب -رحمه الله- إلى مكةالمكرمة لم يكن تسجيله في الهلال رسمياً.. ولو سجله الوحداويون لأخذوه منا لكن تبقى الحقيقة التاريخية ان ما بيننا وبينهم روابط ود ومحبة صادقة ومعرفة غالية جداً برجالات الوحدة آنذاك.. الرئيس محمد غلام ونائبه محمد الأشقر فضلاً عن عبدالله عريف فهؤلاء لا اسمع فيهم قولاً أبداً «رحم الله الميتين.. وأمد في عمر الأحياء منهم». البنك «كوّش» على الكوش! في عام 1380ه انتقل لاعبنا صالح أمان للبنك الأهلي وكان يوظف لاعبين متفرغين لتمثيل فريقه الكروي ولهذا أغرى بجانب صالح أمان مدافعنا محمد كامل المعروف ب (الكوش) ومحمد أبو حميد ولعبوا ضدنا.. وكان اسم فريقهم في البداية «البنك الأهلي» ثم تحول إلى «البنك» وبعد فترة تغير إلى «التعاون» ثم انضم إلى نادي النصر وأصبح اسمه «النصر التعاوني» وعقب انتقال صالح أمان لفريق البنك انتقلت شارة كبتنية الهلال إلى مبارك عبدالكريم وفي مطلع عام 1381ه عاد صالح أمان إلى صفوف نادي الهلال فاجتمعت باللاعبين وقلت لهم: شارة القيادة ستستمر مع مبارك عبدالكريم لأنه بقي معنا والأخ صالح -رحمه الله- ذهب للبنك وتأخر كثيراً.. ولم يعترض على كلامي أحد من اللاعبين والمرحوم رجل عاقل وفاهم اقتنع بما قررته وبارك بروح رياضية عالية لزميله «مبارك» هذه الكبتنية. الحرب على (مبارك)! اختياري للقائد الثاني مبارك عبدالكريم الذي يعد أول كابتن يحمل كأس أول بطولة في تاريخ نادي الهلال عام 1381ه فذاك لما يمتلكه من مقومات القيادة والأداء الفني المميز إلى جانب التصاقه بي وكان محارباً من الآخرين لقدراته الهجومية على التهديف وأحيكت ضده دسائس وأتذكر في يوم من الأيام خلال النصف الأول من عقد الثمانينيات الهجرية ان زاره في شقته بعمارة النور في شارع الخزان - جوار مقر نادي الهلال - مندوباً لأحد أندية المنطقة الغربية ومعه شيك مفتوح لإغرائه بالانتقال من الهلال وقال له «يا مبارك أنا جاي من ناد كبير معروف وأريد سفرك إلى هناك بسرية تامة وخذ الشيك معك ضع فيه المبلغ الذي تريد وإذا كنت موافق اذهب للبنك واستلم المبلغ». نصب واحتيال! طبعاً أنا أرى هذا الكلام كله هراء وكذب ونصب واحتيال والا فالمنطق لا يقبل ان تعطي شيكاً مفتوحاً لا تعلم المبلغ الذي سيضعه صاحبه؟ المهم ان مبارك بكل وفاء واخلاص تمسك بنادي الهلال ورفض كل المغريات وقال له: «أنا لا أبيع ابن سعيد ونادي الهلال بالمادة مهما أعطيتني من مال.. مستحيل». إسطورة الهلال مبارك عبدالكريم أول كابتن يرفع كأس أول بطولة في تاريخ نادي القرن الآسيوي عام 1381 ه اتهموه بالتزوير وجرت العادة في كل يوم يأتيني مبارك عبدالكريم للغداء معي في منزلي مع أربعة أو ثلاثة أشخاص.. ابن عمي أحمد بن سعيد ومناحي بن مران وعبدالرحمن الموزان.. هؤلاء عضدي الأيمن ومعي في السيارة والرحلات وأحبهم مثل أبنائي. تحدث معي مبارك بشأن ما حصل وطلبت منه التكتم على الموضوع حتى عن أقرب المقربين له وقلت له أنت إنسان وفي وتقدر ما فعلته من أجلك.. أنا وصلته إلى الجنسية وسعيت كثيراً لحصوله عليها من المقام السامي وحاول أشخاص حاقدون تجريحه وزجه في السجن ووقفت أمامهم ولاحقوه في الملاعب وطلبوا من الشرطة القبض عليه لعدم حصوله على حفيظة النفوس واتهموه بالتزوير عندما صدرت له «التابعية» وطلبوها مني وأعادوها لأنها أصلاً صادرة بأمر سامٍ. معاناة الهلال عريقة! اجمالاً.. مشكلة الهلال أنه كان محارباً منذ بداياته وتحديداً منذ اليوم الذي حقق فيه كأس أول بطولة للملك شنوا عليه حرب شعواء نتيجة ان سمعة الرياضة لدى المجتمع النجدي آنذاك كانت سيئة.. حتى أنني خسرت والدي بسبب تلك الحرب ولا أنسى أنه -رحمه الله- قال لي ذات يوم: «اختر.. أنا.. والا الكورة؟» لأن أعيان الرياض كل يوم يأتونني ويكررون: «ولدك عبدالرحمن وش يبغى بها الكورة.. فيها فاسدين» وكلام طويل. لكن لولا عون الله ثم قوة عزيمتي واصراري على خوض التحدي واكمال المشوار وحيداً لما بقيت صامداً حتى اليوم.. فلو كان شخص غيري لقال قبل نصف قرن وداعاً لكرة القدم! قلت لوالدي: أنت يا بوي عارف طريقي.. فاجابني بالنفي.. فقلت إن شاء الله يكون خير.. وغادرت منزله ومعي أسرتي المكونة من زوجة وولدين وبنت واحدة واستأجرت بيتاً.. لكن كلنا حافظنا بيت الوالد.. وبعد فترة رضي بواقعي وأعطاني بيتاً خاصاً بي بعدما طلبني وأخي عبدالمحسن وحضرت وقبلت رأسه ودمعت عيناه -الله يرحمه- وقال لي: «أنا والله يا بوي خايف عليك.. وانت تهورت في الرياضة واجد يكفيك نادي الشباب.. وهالنادي اللي بعد اشغلت نفسك فيه». قلت: «طال عمرك أنا أعرف نفسي وأنا ولله الحمد صاين نفسي ولا تفكر أنني أدخل في محظور حتى الدخان - السجاير - والله ما أعرف أنواعه.. وعندها قال: الله يبارك لك وبكيفك». هذه صورة من صور المعاناة التي عشتها في الماضي دفاعاً عن حق نادي الهلال في الاستمرار والبقاء شامخاً كما نراه اليوم زعيماً ونادياً للقرن في آسيا. «مبارك».. ولدي أعود إلى مبارك عبدالكريم فأقول بعدما تعلم قيادة السيارة.. طلب مني والدي بعدما تقدمت به السن ان يرافقه وأتذكر أنه -رحمه الله- قال لي بالحرف الواحد: أبغى ولدك «مبارك» لأني أبسميه ولدك من قوة التصاقه بي ومرافقتي في المنزل والنادي وكل مكان.. وقال: أبغاه يسوق بي إذا ذهبت للمشايخ والسوق (الدكان) قلت أبداً مبارك ولدك بس احتاجه يا بوي فترة العصر ليؤدي التدريبات واستمر مع الوالد لمدة ثلاثة أشهر تقريباً. المقر الذهبي وينتقل مؤسس الهلال بدفة حديثه إلى جوانب أخرى من تاريخ ناديه مجيباً على سؤالنا عن موقع النادي الأزرق عندما توج بأول بطولة في تاريخه.. وكم كان مقدار اجاره السنوي؟ فقال: عندما حققنا كأس الملك أمام الوحدة عام 1381ه كنا في عمارة وسط شارع الظهيرة وعشنا فيها فرحة الاحتفالية بأول بطولة كبرى على مستوى المملكة وبعدها بدأت تتوسع أنشطة النادي واضطررنا إلى استئجار مقر أوسع على نفس الشارع عند تقاطعه مع شارع الخزان وكان مقدار الايجار السنوي في حدود مبلغ ألف ريال أدفعها من حسابي الخاص لكننا فوجئنا بعد تحقيقنا لكأسي الملك وولي العهد عام 1384ه بصاحب العمارة يرفع الايجار من ألف إلى ثلاثة آلاف وحين سألته عن مبررات هذه الزيادة أجابني: «جاكم جماهير أكثر بعد البطولتين» إلاّ أنني رفضت هذه الزيادة وحددتها ب (500) ريال ليصبح (1500) غير أنه تمسك بقراره السابق فانتقلنا منه إلى المقر التالي في الناصرية. عبدالرحمن بن سعيد: واجهت محاربي الهلال وحيداً فريق الهلال بطل كأس ولي العهد 1384ه يتوسطه رئيسه عبدالرحمن بن سعيد ونائب الرئيس تركي السديري وإداري الفريق مساعد بن مسعود (ولد العود) (إرشيف د. أمين ساعاتي) فريق الهلال الفائز بكأس الملك 1381ه ويظهر المرحوم صالح أمان الأول من اليسار جلوساً