يُعد مصروف الأبناء في محيط الأسرة من الركائز الأساسية والمهمة في كثيرمن ميزانيات الأسرعلى اختلاف مستوياتها الاجتماعية والمعيشية، حيث يرى الكثير من أرباب الأسر الكثير من الفوائد والقيم التربوية والسلوكية من خلال اقتطاع جزء من دخل الأب أو الأم وتحديده مصروفا يوميا للأبناء، إذ يعتقدون أن هذا المصروف يعمل على تعزيز القيم التربوية والأخلاقية لدى أبنائهم، إضافة إلى تعويدهم تحمل جزء من المسؤولية وتقدير المال منذ الصغر. وعلى الجانب الأخر يقف فريق معارض من الآباء والأمهات الذين يعتقدون جازمين أن المبالغة في إعطاء الأبناء مصروفاتهم المالية اليومية قد تسهم بشكل مباشر وغيرمباشر في انحرافهم تربويا وأمنيا واجتماعيا وسلوكيا، بل والوصول بهم إلى مفهوم تحول العلاقة المبنية على العاطفة والاحترام إلى قيم مادية لتكون الرابط الوحيد للتقيد بأوامر الأسرة أو رفضها في حالة فقد المال أو جزء منه. ولأن هذه القضية تلامس اهتمام كافة الأسر على مستوى المملكة فقد أجرت" الرياض" هذا التحقيق للتعرف على آراء العديد من أولياء الأموروالأبناء حول أهمية المصروف والطرق الصحيحة لصرفه ، ولماذا يتخوف عدد من الأسر من الانعكاسات السلبية لهذا المصروف؟ وكيف ينظر عُلماء الاجتماع والتربية إلى أبعاد هذه القضية تربويا واجتماعيا وأسريا؟ توزيع المصروف في البداية يرى المواطن يحيى بن محمد المقصودي وهو أب لثمانية من الأبناء والبنات أن مصروفات الأبناء أصبحت من البنود الثابتة في ميزانية أسرته، مؤكدا على أن تخصيص المصروف يخضع للعديد من الاعتبارات المهمة جدا فهو كما ذكر يخصص مصروفا يوميا لأفراد أسرته حسب السن، حيث يعمل على استقطاع جزء صغير من مرتبه لعدد من الأبناء الذين يدرسون في المرحلة الابتدائية والمتوسطة، فيما يخصص جزءا أكبر لأحد الأبناء الذي يدرس في المرحلة الثانوية بحكم خروجه من المنزل للجلوس مع أصدقائه وبالتالي حاجته إلى المال لاستضافتهم من وقت لآخر، مشيراً إلى أن مراجعته لهذه المصروفات تتم أسبوعيا من خلال اجتماعه إلى أسرته لفرض مزيد من الرقابة التي يرى أنها ضرورية ومهمة للمحافظة على الأبناء من استخدام هذه الأموال لا قدر الله بشكل خاطئ. ويؤكد المواطن عبدالله الكلثمي وهو رب أسرة بأن الزمن قد تغير كثيرا عن الماضي، حيث أصبح المصروف مهما جدا في حياة الأبناء بل ومن الأساسيات المهمة، مشيرا إلى أن كثرة المغريات وأنماط الحياة قد فرضتا على الأسرة هذه المصروفات التي لا غنى للأبناء عنها مهما كان وضع الأسرة ماديا واجتماعيا، منوها إلى أهمية أن يكون هذا المصروف على قدر معين وتحت مراقبة دائمة من الآباء والأمهات خاصة إذا كان المبلغ كبيرا. ويعلق أحد أرباب الأسر وهو المربي أحمد على الحياني، قائلا:إن المصروف على الرغم من أهميته في تلبية احتياجات الأبناء اليومية، إلا أنه قد يلعب دورا خطيرا في انحراف الأبناء وفسادهم الأخلاقي والتربوي، موضحا أنه ومن خلال عمله مرشدا تربويا في إحدى المدارس الثانوية بمنطقة عسير قد شاهد تفاوت الأسر في الإنفاق على أبنائهم ما بين مبالغ ومقتر، حيث استطلع مواقف عدد من الطلاب ، ومع الأسف هناك جزء كبير من هذا المصروف يذهب في شراء الدخان والذهاب بعد نهاية اليوم الدراسي لقضاء بضع ساعات في أحد المقاهي لتدخين الشيشة حسب ما تم رصده من اعترافات لعدد من هؤلاء الأبناء، معللا سبب ذلك إلى غياب دور الأب في تتبع أبنائه والإشراف المباشر على هذه المصروفات، وفي المقابل يرى تقتيرا لبعض الأسرعلى أولادهم الذين يقفون أمام زملائهم في خجل وحيرة ومد يد الحاجة وكلتا الحالتين تحتاج إلى معالجة وإعادة تهيئة. الموازنة والقدرة! من جانبه أوضح أحد رجال الأعمال عبدالرحمن الصغير أن قضية المصروف أصبحت من القضايا التي تشكل قلقا للكثير من الأسر، مبينا أنه وعلى الرغم من دخله الكبير من التجارة إلا أن مصروفه الذي يمنحه لأبنائه البالغ عددهم 8 أفراد يتم على قدر حاجاتهم الفعلية،محذراً من مغبة إهمال مراقبة الأبناء عند إعطائهم المصروف، وخاصة لمن هم في سن المراهقة. وفي إطار هذه القضية أوضحت الأستاذة فاطمة عزب إحدى التربويات قائلة:إنه لا يوجد في زماننا هذا مهما كانت الظروف المادية المحيطة ببعض الأسر من لا يعطي أو يخصص شيئا من هذا المصروف للأبناء ولكن لو أحسن الآباء والأمهات التقدير السليم لإخراج هذا المصروف بلا تقتير أو إسراف لما وجدنا الارتداد السلبي أو العكسي لهذه المصروفات التي قد تكون مرهقة ومتعبة للعديد من الأسر، مطالبة في الوقت نفسه بأن تكون الأسرة على وعي كبير وتام بالاحتياجات اليومية للأبناء دون إفراط أو تفريط ،لأن مصروف المدرسة يختلف عن مصروف الخروج لقضاء الأوقات مع الأصدقاء أو التنزه أو زيارة مدينة من مدن المملكة أو غير ذلك، بحيث تعمل على إيجاد نوع من الموازنة لا تقل ولا تزيد على الاحتياج الفعلي، مشيرة من واقع تعاملها التربوي إلى أن الأبناء الذين يحرمون من المصروف أو يأخذون أقل من احتياجاتهم الفعلية قد يلجأون لا قدر الله لممارسة السرقة أو الاعتداء على ممتلكات الغير بهدف توفير احتياجاتهم التي غيبتها الأسرة.