قامت قناة العربية بدور رائد في توثيق الانتصار السعودي على الإرهاب عبر سلسلة من الأفلام الوثائقية التي أنتجتها في السنتين الماضيتين تحت إشراف كوادر سعودية محترفة. ولعل ثلاثية "أيام الدم" التي بثتها مؤخراً خير مثال على الدور الكبير الذي يلعبه الإعلام السعودي في تفتيت بنية الإرهاب وفضح المبادئ والأفكار التي يستند عليها الإرهابيون في حربهم الفاسدة ضد مملكة الخير والإنسانية.. والسلام. في "أيام الدم" توثيق لموجة الإرهاب التي عاشتها المملكة بين عامي 2003 و2004 منذ حادثة حي الجزيرة وحتى الليلة التي قتل فيها عبدالعزيز المقرن في حي الملز بالرياض في انتصار أمني سعودي صريح لم تقم للإرهاب الحركي بعده قائمة. وعرضت السلسلة في حلقاتها الثلاث سرداً معلوماتياً دقيقاً لعمليات وبيانات وتحركات تنظيم القاعدة في تلك الفترة بسيناريو رصين يحكي قصة المغامرة الشيطانية للإرهاب. على صعيد الموضوع والأفكار تميزت السلسلة بغزارة المعلومات ودقتها إضافة إلى عمق التحليل، وهذا مُتوقع من الزميل فارس بن حزام الخبير في مجاله والذي قام بالإشراف على إنتاج السلسلة مستفيداً من أرشيفه المعلوماتي الضخم عن ملف القاعدة تحديداً وعن الإرهاب عموماً. وأهم ما كشفته هذه المعلومات هي ميكافيلية الإرهابيين وقفزهم حتى على المبادئ التي ينادون بها، ما دام ذلك يحقق غاياتهم، فالغاية لديهم تبرر الوسيلة، حتى لو كان ذلك في قتل والد أحدهم، بل وقتل رفيقهم عامر محسن بعد بتر رجله وإلقائه في غيابة القبر شمال الرياض. كل هذا الكم المعلوماتي الذي قدمته السلسلة نحتاجه الآن كي نعرف أين كنا وكيف أصبحنا، لنعرف حقيقة الانتصار الذي حققه الأمن السعودي والمجتمع السعودي على الإرهاب. وكأن قناة العربية تريد أن تقول في سلسلتها: "لقد انتصرنا.. دعونا نتأمل كيف حققنا ذلك" وهي لا تنسى أن تُردف هذا القول بسؤال في نهاية السلسلة مفاده: هل قضينا على الإرهاب فعلاً أم أن هناك من يغذيه بطريقة غير مباشرة بأفكاره المتطرفة التي لا يحتاج معها الإرهابي المستقبلي سوى إلى "تكة" بسيطة ليصبح إرهابياً حركياً- بحسب تعبير فارس بن حزام في أحد مقالاته السابقة. لكن المعلومات وحدها لا تصنع فيلماً وثائقياً مميزاً، وهنا يأتي دور الشاب المتألق أحمد خضر "ابن الثلاثين سنة وصانع الوثائقيات الشهيرة: أيام السيد عربي، وعشاق بهية، وحروب الشاشة" الذي كتب السيناريو وتولى دفة الإخراج وارتقى بالسلسلة من الناحية الفنية لتظهر بجودة عالية تضاهي الأعمال الأجنبية، وحين أقول الناحية الفنية فأنا أقصد السيناريو وآلية السرد التي انتهجها خضر في السلسلة، حيث أبدع في اختيار السياق الذي سينثر المعلومات على جوانبه، ويتمثل ذلك في تحديده لشخصية ثابتة لشابٍ سعودي يتابع العمليات الإرهابية من بعيد ويعمل على توثيقها أولاً بأول، منذ البداية وحتى النهاية. وقد يكون هذا الشاب هو فارس بن حزام نفسه، خاصة وأنه يشارك بصوته في سرد الحدث، لكن هذا لا يقدم ولا يؤخر في ذكاء السيناريست وبراعته عندما حدد العمود الفقري لبناء هيكل الفيلم باختياره لهذا الشاب الذي ساعده على إلقاءِ المعلومات والوثائق وتعليقات الضيوف وفق بناء محكم متسلسل يسير زمنياً وفكرياً إلى نهاية واحدة تؤكد الانتصار السعودي على الإرهاب والتطرف.