وعلى الرغم من ذلك، فإن التفوق البحري الإسرائيلي في الحوض الشرقي للبحر المتوسط قد أضحى مهدداً بفعل تعاظم الأسطول العربي، الأمر الذي شكل خطراً على خطط إسرائيل لاستخدام العمق البحري. في التاسع والعشرين من أيلول سبتمبر 2009م، أكد ناطق عسكري إسرائيلي أن غواصتين من طراز دولفين سلمتا مؤخراً إلى البحرية الإسرائيلية. وأصبحت إسرائيل بذلك تملك خمساً من هذه الغواصات الألمانية الصنع. ويعتقد أن «دولفين» هي السلاح الذي تحتفظ به إسرائيل لما يُعرف «بالضربة الثانية». كما تشكل هذه الغواصات جزءاً من قدرات تسليح تقليدية يمكنها التعامل مع عدد من الأهداف التي تعتقد إسرائيل بأهمية ضربها في هجوم «وقائي». ويسمح هذا العدد من الغواصات للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية بتنظيم جولات، تجوب فيها بعض غواصاتها مياهاً بعيدة، فيما يبقى البعض الآخر لتأمين الساحل الإسرائيلي، أو الرسو لإجراء أعمال الصيانة. وحسب الإعلام الإسرائيلي، فإن إحدى غواصات دولفين الإسرائيلية تتمركز بشكل دائم في المياه الدولية للخليج العربي، وتتواجد الثانية في البحر المتوسط، والثالثة قبالة سواحل إسرائيل، ويفترض أن تكون الغواصتان الباقيتان في قاعدة الغواصات بحيفا. ومع النقاش المثار حول توجيه «ضربة وقائية» للمنشآت النووية الإيرانية، برز سلاح البحرية (وتحديداً سلاح الغواصات)، كأحد خيارات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. بل ربما بدا اليوم خياراً وحيداً، بلحاظ التحديات المطروحة على مقاربة الضربة الجوية، وما تتضمنه من صعوبات تقنية ومعوقات سياسية. ومع بلوغ عدد الغواصات لديه إلى خمس، فإن مزيداً من الأضواء باتت تتجه نحو سلاح البحرية، على حساب الهالة المعطاة للقوات الجوية. ويخدم في سلاح البحرية الإسرائيلي حوالي 6500 شخص. وتتشكل قوته الهجومية الأساسية من خمس غواصات دولفين، الألمانية الصنع التي تم تطوير بعض أجهزتها في الولاياتالمتحدة. وهذه الغواصات مزودة بصواريخ هارفون، وفوهات توربدو ب 650 ميلمتراً. وهي لا تحتاج إلى قوة بشرية كبيرة (35 شخصاً لكل غواصة). ولديها القدرة على البقاء المستقل في أعمال المياه لمدة شهر تقريباً، وهي ذات قدرة عمل في الأعماق وقرب الساحل. وتستطيع دولفين حمل صواريخ جوالة مزودة برؤوس نووية. ولدى سلاح البحرية الإسرائيلي أيضاً ثلاث سفن صواريخ من نوع (ساعر - 5)، مزودة بثمانية صواريخ هارفون، 8 صواريخ جبرائيل 2 وقاذفتان مضادتان للصواريخ من نوع باراك، وسفينتان من نوع الياهو، مزودة ب 4 صواريخ هارون و4 صواريخ جبرائيل، ومروحية بحرية من نوع دولفين، و6 حاملات صواريخ ساعر 4.5 مزودة بصواريخ هارفون، و6 صواريخ جبرائيل و6 قاذفات مضادة للصواريخ، من نوع باراك، و4 سفن من نوع ريشف، مع 8 صواريخ هارفون و6 وصواريخ جبرائيل. وتقليدياً، ركزت نظرية إسرائيل البحرية على الاستعداد القتالي في البحر المتوسط، وإعطاء أهمية أقل لخليج إيلات، مع التأكيد في الوقت نفسه على أهميته، من ناحية استراتيجية الحفاظ على الاتصال مع المحيط الهندي، والخطوط التجارية مع أفريقيا والشرق الأقصى. وعلى الرغم من ذلك، فإن التفوق البحري الإسرائيلي في الحوض الشرقي للبحر المتوسط قد أضحى مهدداً بفعل تعاظم الأسطول العربي، الأمر الذي شكل خطراً على خطط إسرائيل لاستخدام العمق البحري الاستراتيجي «كضربة ثانية»، تحسن قوة الردع الإسرائيلية. وبالعودة إلى سيناريو الضربة الوقائية ضد إيران، ارتكازاً إلى غواصات دولفين، فإن خياراً كهذا يستوجب مرابطة إحدى هذه الغواصات في المياه الدولية، قريباً من الساحل الإيراني، في بحر قزوين أو الخليج العربي. بيد أن بحر قزوين لا يبدو خياراً مرجحاً لسببين: الأول عدم إمكانية الوصول إليه إلا من خلال سواحل الدول المشاطئة، كونه بحيرة مغلقة. والثاني غياب التقسيم السيادي لمياهه، واستمرارها محل نزاع بين إيران وبقية الدول المطلة عليه. وهذا فضلاً عن كون الجزء العميق من بحر قزوين هو أساساً ذلك المواجه للشاطئ الإيراني، بامتداده المتنازع عليه. ويضاف إلى هذه الاعتبارات كون بحر قزوين بعيداً كثيراً عن محطة بوشهر، التي ربما بدت الهدف الأسهل لأي قصف صاروخي، قياساً لما هو عليه الحال بالنسبة لمنشأة ناتانز شديدة التحصين، الواقعة تقريباً في منتصف المسافة بين قزوين والخليج. أما مراكز القيادة والسيطرة والتحكم، في طهران وكرج، فهي قريبة كثيراً من قزوين، إلا أن إمكانية تحقيق إصابة صاروخية مؤثرة فيها لا تبدو مؤكدة، وذلك بسبب تركز الدفاعات المختلفة حولها. على صعيد ثالث، يمكن للغواصات الإسرائيلية الوصول إلى البحر الأحمر عن طريق ميناء إيلات، والتمركز فيه لتوجيه ضربة صاروخية إلى إيران. بيد أن المشكلة تبقى قائمة فيما يتعلق بالمسافة اللازمة لإنجاز ضربة مؤثرة. كذلك، فإن وضع الغواصات الإسرائيلية هناك يجعلها عرضة للحصار عند مضيق تيران. وعلى نحو مبدئي، تحتاج الغواصات إلى المياه المفتوحة، وهذا ليس متوفراً في إيلات. كما أن البحرية الإسرائيلية لا تستطيع أن تتحمل العبء اللوجستي لإقامة قاعدتين للغواصات، واحدة في حيفا والأخرى في إيلات. فهناك متطلبات ترتبط بالمعدات وأطقم الصيانة، والضمانات الأمنية الضرورية لأسطول من خمس غواصات. وفي السياق ذاته، لا تبدو قاعدة حيفا مؤهلة لتوجيه ضربة صاروخية من الغواصات إلى منشآت داخل الأراضي الإيرانية. ويمكن نظرياً تحقيق هذه الضربة إذا كانت الغواصات مزودة بصواريخ نووية، قادرة على إصابة أهداف على بعد 1500 كيلومتر. بيد أن الرؤوس الحربية النووية أثقل من أن يتم إطلاقها لمسافات طويلة على صواريخ موجهة. وعلى نحو مبدئي، تستطيع الصواريخ الجوالة المتطورة، مثل الصاروخ توماهوك، إصابة أهداف بحرية برية بدقة عشرة ميليمتر سي.إي.تي، مع رأس حربي من 500 إلى 1000 كيلوغرام، تطلق من غواصة أو أداة بحرية على مدى 300 كيلومتر إلى نقطة برية، بدقة 150 إلى 300 متر. ومقاربة على هذا النحو، يصعب على إسرائيل بلوغها حتى في حال وضعها غواصات دولفين في المياه الدولية للخليج. ويمكن أن يستثنى من هذا القول محطة بوشهر، فهي هدف قريب وسهل، لكنه غير جوهري في الحسابات الخاصة بمنع إيران من بلوغ درجة التخصيب، الذي يؤهلها إنتاج قنبلة نووية، في حال كان هذا فعلاً هو طموحها النهائي. وخارج هذه المقاربة، يبدو مبدأ الضربات الصاروخية التقليدية بعيدة المدى، من الغواصات على درجة كبيرة من عدم اليقين، إن لم نقل المجازفة. وحسب بعض السيناريوهات التي تم تداولها، تحتاج إسرائيل لتوجيه «ضربة وقائية» من الغواصات للمنشآت النووية الإيرانية إلى ثلاثين صاروخاً ذاتية الدفع، توزع على الشكل التالي: خمسة صواريخ توجه إلى أصفهان، وثلاثة إلى زراك، و34 صاروخاً إلى مجمع التخصيب في ناتانز. بيد أن إسرائيل لا تملك هذا العدد من الصواريخ ذاتية الدفع. وحتى بافتراض امتلاكها، فإن استخدامها على هذا النحو سوف ينظر إليه على أنه نوع من الهدر، سوف ترتفع ضده الكثير من الأصوات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، كما من خبراء الدفاع المستقلين، الذين يشككون منذ الآن في جدوى خيار كهذا. وفي السياق العملي، فإن ضربة إسرائيلية افتراضية لإيران من خلال غواصات متواجدة في المياه الدولية للخليج، سوف يعني اندلاع حرب غواصات في هذه المياه، طرفها الآخر الغواصات الإيرانية. فقد باتت إيران، منذ سنوات، مالكة لغواصات «فارشافيانكا»، السوفياتية، التي تعرف في الغرب باسم «كيلو» أو «القاتل الهادئ». وتتميز هذه الغواصة، العاملة بالديزل، بقدرتها على التخفي ومتابعة الأهداف لعدة أسابيع. وهي تستخدم لمكافحة السفن والغواصات، وحماية القواعد البحرية، وخطوط المواصلات البحرية. وتستخدم الغواصة «كيلو» في المناطق البحرية المحدودة ذات العمق الصغير، كما هو حال منطقة الخليج العربي. وتبلغ سرعتها على سطح الماء 17 عقدة بحرية، وتحت الماء 20 عقدة بحرية. وعمق غوصها العملي 240 متراً وعمق الغوص الأقصى 300 متر. ومدة الإبحار المستقل 45 يوماً. وتبلغ حمولتها على سطح الماء 2300 طن، وتحت سطح الماء 3950 طناً. وهي مزودة بستة طرودبيدات من عيار 533مم، معمرة أوتوماتيكياً، و18 طوربيداً معمراً بطريقة عادية. وتحمل هذه الغواصة صواريخ مضادة للسفن من طراز «زي ام - 54»، وأربعة أطقم للصواريخ المضادة للجو من طراز «ستريلا - 3». وفي حقيقة الأمر، فإن وضع غواصات في أعماق المياه بغرض توجيه «ضربة وقائية» يبدو أمراً غير مألوف في المبادئ العسكرية، ذلك أن ميزة الغواصات تتمثل أساساً في قدرتها على البقاء بعيداً، والاستعداد لتوجيه الضربة الجوابية، أو ما يعرف بالضربة الثانية، خاصة إذا كانت هذه الغواصات متمركزة في ساحة مكشوفة وغير محمية، كما هو حال غواصات دولفين، المراد استخدامها لضرب المنشآت النووية الإيرانية. وأياً يكن الأمر، فإن المواجهة الإسرائيلية الإيرانية المحتملة هي نذير شؤوم لهذه المنطقة. ولا بد من تأكيد المقاربات السياسية والدبلوماسية كسبيل لتسوية القضايا العالقة.