أكاد أجزم يقينا أن هناك أزمة حقيقية مشتركة وموحّدة بين شعراء هذا العصر أملتها عليهم الظروف المعقدة والشائكة و( غيرالشعرية ) التي تحيط بهم من كل حدب وصوب ، وهي ظروف طبيعية في عصر معلوماتي لا تؤثر فيه الكلمة ولا يرفع فيه الشعرُ شأن قوم وينقص آخرين ،ولا يجد فيها الشاعر مكانته النفسية أو انعكاس تأثيره على من حوله ، لكنها وإن كانت أزمة عامة ومشتركة وقعت فيها البيئة الشعرية بكل مستوياتها الشاعر والناقد والمتلقي ، لا تخلو كذلك من أزمة في مفهوم الشعر المعاصر ، حينما لايتفق أحد عليه ، ولايختلف آخرون على سواه ، فقصيدة النثر المعاصرة والبارزة ، وصوت الشعر الإعلامي في العقدين الأخيرين ، يبدو أنها ليست كل الشعر وإن تفنّن النقاد في إبراز خصائصها وسماتها وجماليتها وتفرّدها بالشعر والشاعرية على حساب الشكل والصناعة الموسيقية ، فهي جزء جميل من الشعر لكنها ليست كل الشعر ، سهلة لدرجة الصعوبة ، وصعبة لحد الخلط فيها بين الجيد والرديء ، والملفت في النظر حولها الاختلاف عليها لدرجة التناقض الرهيب بين ناقد وآخر وإن كانا ينتميان لذات المدرسة الشعرية الحديثة ، ويبدو أن التطرّف حيالها سواء بالسلب أو الإيجاب أمر مؤثر جدا في مسيرتها وروّادها وشعرائها مما جعلها دائما متطرّفة في اعتناقها أو الكفر بها ، إذا يرى كثيرٌ من المحتجين عليها أنها شكل قديم من أشكال الكتابة أخذت تصنيفا آخرا غير الشعر يمكن أن يصفه البعض بحكم الفلاسفة أو بعض المقولات التاريخية أو ما شاكل ذلك في سالف الكتابات ، وهو رأي مناقض تماما لمؤيديها حينما لايرونها إلا الشكل الوحيد الناجي من أزمة الشعر المعاصر ، مما يجعل أمر التسليم بها كواقع معاصر لكل الشعر موضع شكّ كبير طال الزمن أو قصر وهو شعور خانق أدى إلى عزوف كثير من الشعراء المعاصرين عن كتابة الشعر والتوجه إلى فنون أخرى كالرواية مثلا ... وواقع الأمر أن قصيدة النثر ( غير المتفق ) عليها حتى بين روّادها تعدّ جزءا جميلا من الشعر ، لكنها ليست كل الشعر الذي حمل الإنسانية كل تلك العصور الطويلة ، ولا يمكن لنا مهما كان الحال أن نحصر الشعر كل الشعر في قصيدة النثر فقط ، ولست مع التطرّف لها أو عليها حين يتجاوز الأمر الذوق الخاص إلى المستوى النقدي والإعلامي فالشعر كل الشعر أولى بالاتباع وقصيدة النثر ليست إلا شيئا من الشعر واتباعها لايعني مصادرة غيرها كما أن غيرها لايعني الكفر بها ...