تشابه المشاهد وتزامن الاحداث التي شهدها المسجد الاقصى المبارك أول من أمس، مع تلك التي اعقبت "زيارة" الليكودي المتطرف ارئيل شارون الى ذات المكان قبل تسع سنوات، دفعت بالبعض للتبشير او الدعوة لانتفاضة ثالثة دفاعا عن الاقصى ونصرة لحماته. السيناريو واحد والمخرج ايضا واحد. فحتى لو افترضنا ان ثمة اختلاف في (اسرائيل) بين الليكود والعمل ولاحقا كديما، وليبرمان، فالجهة التي اشعلت شرارة الانتفاضة الثانية قبل تسعة اعوام كان حزب الليكود الطامح الى السلطة. وامس ايضا فالليكود ذاته الحاكم في اسرائيل هو من رعى الزيارة الاستفزازية لغلاة التطرف والعنصرية الى المسجد الاقصى فحصل ما حصل. فهل ما ذهب اليه المبشرون بالانتفاضة الثالثة، امر ممكن من الناحيتين الموضوعية والذاتية بالنسبة للشعب الفلسطيني؟ وما شكل هذه الانتفاضة؟ شعبية كالانتفاضة الاولى ام شعبية ثم مسلحة كما الانتفاضة الثانية؟ في العام 2000 كانت الانتفاضة هي الخيار الوحيد المتبقي في يد الشعب الفلسطيني المحتقن غضبا ويأسا، وقيادته - رغم معارضة البعض داخلها - بعدما وصلت المماطلة والتسويف الاسرائيلي ذورته فيما يتعلق باستحقاقات عملية التسوية التي بدأت في اوسلو واصطدمت اخيرا بجدار التعنت وانكشف امرها في كامب ديفيد الثانية. لكنها، أي الانتفاضة، كانت بذات المقدار "حاجة" اسرائيلية ملحة من اجل التهرب امام المجتمع الدولي - على الاقل - من الاستحقاقات السلمية المترتبة ضمن المراحل الاخيرة لاتفاقات اوسلو والتي كان يفترض ان تنتهي بمفاوضات على اقامة دولة فلسطينية في حدود 67، وعاصمتها القدسالشرقية، بموجب الاسس والقرارات الدولية التي استندت اليها. وفي الوقت ذاته المضي وتصعيد المخططات الاستيطانية، والقاء الكرة في الملعب الفلسطيني وتحميل الفلسطينيين المسؤولية كاملة عن فشل عملية السلام بخروجهم عن طريق السلام التي بدأت في مدريد ومن ثم اوسلو الى طريق "الارهاب" من خلال لجوئها الى خيار الانتفاضة. بالاستناد الى هذه المقاربة، هل بالامكان اعتبار الانتفاضة الثالثة خيارا واردا حتى لو قام مراقبون وسياسيون فلسطينيون واسرائيليون بالتلويح او التحذير منها؟ تسع سنوات مضت، بكل الدماء التي سالت ومختلف صنوف المعاناة التي عاشها ولا يزال ابناء الشعب الفلسطيني سواء في الضفة الغربية او قطاع غزة، حيث لم تجف بعد الدماء، ولا يزال الناس في العراء. ما يعني ان الانتفاضة الثانية بتعبيراتها المختلفة لم تنته بعد حتى يسارع البعض للتبشير بانتفاضة ثالثة. ولو افترضنا ان الانتفاضة الثانية قد انتهت والمرجل يغلي استعدادا لانتفاضة ثالثة فاين ستندلع هذه الانتفاضة؟ في قطاع غزة الذي تحكمه حركة "حماس" ويرزح منذ ثلاثة اعوام تحت حصار تجويعي، ولا تواجد للاحتلال داخله بل في السماء والبحر وعلى الحدود والمعابر. وكيف ستكون في حال اندلعت هناك: عمليات مسلحة ام زحف جماهيري على التخوم ونقاط العبور؟ وهل يملك شعب مجوع ويعيش في العراء القدرة على خوض هذه المواجهة التي لا يعرف متى ستؤتي ثمارها؟ او في الضفة الغربية التي لم تشهد اصداء للمواجهات التي شهدها المسجد الاقصى، في وقت تعلن السلطة الفلسطينية، ان خيارها المطروح في الوقت الراهن هو المعركة السياسية، سواء فيما يتعلق بالمفاوضات والمتوقع ان تبدأ بشكل غير مباشر في واشنطن قريبا، او من خلال التحركات الدبلوماسية على مستوى العالم من اجل حشد وسائل ضغط على (اسرائيل) من قبل المجتمع الدولي وفي المقدمة الولاياتالمتحدة. والنتيجة ان التوجه ليس نحو انتفاضة ثالثة شبيهة بالثانية وان كانت السلطة والقيادة الفلسيطينية لا تخفي انحيازها ودعمها لشكل المقاومة الشعبية كما كان عليه الامر في الانتفاضة الاولى، والتي تستلهم قرى بلعين ونعلين والمعصرة وغيرها منها سبل التصدي لمخططات اسرائيل التوسعية والمتمثلة بالجدار العنصري. وفي الجهة المقابلة، أي (اسرائيل)، فاذا كانت الانتفاضة الثانية مخرجا لها من اجل المضي في سياسة نهب الارض والاستيطان والتهرب من استحقاقات التسوية، فهي اليوم ليست في مأزق بعد مجاهرتها بمخططاتها التوسعية والتهويدية في القدس وباقي مناطق الضفة بما يضرب فكرة "حل الدولتين"، ولعل نجاحها في "المواجهة" الاخيرة مع واشنطن فيما يتعلق بتجميد الاستيطان، ومجاهرتها برفض الحقوق الفلسطينية دون أي تبعات، ينفي حاجتها لاي انتفاضة ثالثة، للمضي في مخططاتها التوسعية.