هناك قول إنجليزي شهير يقول " comes out of loss experience is the gain that" أي أن خسارة أي شيء تتحول الى قيمة ايجابية طالما أن تلك الخسارة تمنح تراكما جديدا للخبرة المكتسبة، ولعل ذلك لا يختلف عن قولنا " ركلة في الظهر تدفعني للأمام ، أو لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" ففي المرة الأولى لدغ من الجحر وخرج بتجربة تعصمه من مرة تالية، وفي هذا الصدد هناك حكاية عن الشهير " فورد " في فترة من حياته حين كان يمتلك مجموعة من الشركات والمصانع التي وضعته في عداد الأثرياء، فقد شب حريق في مصانعه، وذهب مع زوجته الى الموقع ليرى أن النار قد أتت على كل شيء. قالت زوجته: " لقد احترق كل شيء " ورد فورد : " بل احترقت أخطاؤنا " . لا خلاف على أي حال على أن نجاح الانسان وتوفيقه – بمباركة من الله عز وجل – يعتمدان على قدرته على استيعاب الدروس، وبعض الذين فشلوا في التعليم – مثل عباس محمود العقاد – لم يدفعهم الفشل الى استسلام ينتهي بهم في ورشة للسباكة أو محل للحلاقة، فقد حظي العقاد بمكانة ثقافية وفكرية جعلته يسخر من الذين فكروا في منحه الدكتوراه الفخرية، وقال متسائلا بكل الاستنكار " ومن الذي سيمنحني " يعني ومن يمكن أن يكون أستاذا لي. ربما كانت دروس الفشل أهم بكثير من دروس النجاح والتحقق، فالنجاح يدفع بصاحبه الى حالة من الرضا والفرح ومن ثم الركون والاستسلام طالما أن الأمور تمضي بشكل جيد، ولكن الفشل يدفع بصاحبه – إن كان على درجة من الوعي – الى الغضب فالتحدي والعناد والمثابرة حتى يحقق نجاحا مبهرا وغير عادي. لكننا – كبشر – غالبا ما نكون ميالين الى استعراض نجاحنا وإخفاء إخفاقاتنا، نباهي بها ونعرضها على الناس جميعا طلبا لرضائهم ودهشتهم ، هي طبيعة بشرية وجدناها منذ قديم الأزل ، وأظن أن بقايا المسلتين اللتين أقامهما يوليوس قيصر في روما وحفر عليهما أبرز أعماله " منجزاته " كما سماها ما تزال قائمة هذا برغم أن اشارة واحدة الى إحباطات قيصر – وما أكثرها - لا تشير اليها المنجزات ، من باب العلم أو تهيئة الدرس. من الناس من يكتفي بتجاربه ، هو يتعلم منها، ومنهم من يضيف الى خبراته تجارب الآخرين فتزداد خبرته ثراء وقدرة على الابداع والتجويد. أكتب هذا كله وفي ذهني ما تصدره كل الوزارات لدينا من مطبوعات تحت مسمى "المنجزات " تتحدث فيها بفخر واعتزاز عما أنجزته الجهة، وتصدر وزارة التخطيط مجملا لكل هذه الانجازات في مطبوعها " منجزات خطط التنمية " . هذا كله رائع وجميل وطبيعي، لأننا قد مررنا بتحولات تنموية مبهرة قد لا ندركها لأننا نعيشها خطوة بعد خطوة كمن لا يلاحظ أن ابنه يكبر كل يوم.. وما دامت مطبوعات الانجازات ممارسة رائعة وجميلة فما الذي أريد أن أقوله ؟ أريد أن أقول إن كل مطبوعات المنجزات قد خلت من أدنى اشارة الى تجربة فشل أو الى خطأ وقعت فيه الجهة رغم أهمية تجارب الفشل في اعطاء الدروس المستفادة، وما أكاد أعرفه أن أخطاء الجهات وفشلها كثيرا ما يكونان أكثر من نجاحاتها، فلماذا تقدِّم لنا" وجه " المنجزات" دون " ظهْرها " ؟ وعليه كدت أقترح أن تصدر كل جهة مع مطبوعها عن "الانجازات" مطبوعة مرافقة عن "الاخفاقات" ، أو حتى تكتفي بالأخيرة، الا أنني أتراجع عن الاقتراح تحاشيا لأزمة مستحكمة في ورق الطباعة ...!