المثقف شخص مسئول عن تصرفاته وآرائه التي يتعاطى معها المجتمع ويتجاذب معه أطراف الحديث، حيث تقع عليه مسئولية كبيرة من خلال فكره وقلمه ليغير بعض الأفكار ويشعل النور لبعض الطرقات المظلمة فكريا، وله دور كبير في تصحيح بعض وجهات النظر المختلف عليها. طرحنا سؤالا عريضا محتواه ماهي مسئولية المثقف تجاه المجتمع ومن أي زاوية يراه؟ يقول الدكتور صالح المحمود :أتساءل إن كان مثقف ما قادرا على الإجابة عن سؤال المسؤولية؛ ذلك أن الأمر يبدو خطيرا ومشتتا، فالمجتمعات تختلف، والمثقفون مختلفون على مستوى القدرة والريادة والتأثير، لكني أستطيع في الجملة أن أراهن على دور تغييري وتنويري للمثقف تجاه مجتمعه، يتمثل في بث روح الوعي، وتنمية مستوى التعاطي الذهني مع الأشياء، وتعزيز روح التنمية الثقافية بين الأفراد، وتحجيم التسطيح والركود الفكري والذهني. وأضاف:يبدو التنظير هنا سهلا وميسرا، بيد أن الخلفيات التاريخية والاجتماعية والثقافية لمجتمعنا تحديدا تجعل مسؤولية المثقف أشبه بالمعطلة أو الميتة؛ ذلك أن المجتمع غير قادر أو هو لا يريد أن يمنح المثقف فضاءه الحرّ الذي من خلاله يستطيع أن يمارس دوره التنويري والتغييري بشكل فعال ومؤثر، وأستثني هنا المثقف ذا الخلفيات الدينية سواء التشريعية أم الدعوية، إذ يتعاطف معه المجتمع كثيرا. كما قال: معلوم بالضرورة أن المثقف مهما كانت قدراته عالية واستعداده عميقا فلن يستطيع أن يقوم بأي دور ريادي ما دام يتعاطى مع مجتمع لا يتعاون معه، أو بالأحرى لا يؤمن به ولا بقدراته! وحدثنا الأستاذ محمد الحميد رئيس نادي أبها سابقا، وقال: المثقف يصنف من النخبة ويتحمل مسئولية كبيرة في توعية المواطنين ونصب الأمور لهم، من حيث صيانة أمن الوطن وحمايته من أصحاب الفكر الضال والتطرف في أي اتجاه سواء للتغريب أو التشدد، وهذه رسالة يجب أن يتحملها المثقف ويؤدي واجبه نحوها بقلمه أو لسانه، لما حباه الله تعالى من بصيرة نافذة وذهنية منفتحة، وهذا من باب الأمانة التي حملها الانسان وسيسأل عنها. ويقول الدكتور عبدالرحمن المحسني :المثقف –إن اتفقنا على المفهوم- هو قائد تنويري يسعى إلى إشعال منارات الوعي للسالك، وفكره محصلة قراءات متواصلة ومستمرة ومتابعة دائبة لمستجدات الواقع ورسم استراتيجيات النجاح للمجتمع، وهو بهذا التصور الأولي تقع عليه مسؤولية كبيرة تجاه المجتمع الذي يعيش فيه، وينتظر منه المجتمع الكثير، ومن المؤسف أن بعضا من المثقفين ينأى عن هذه المسؤولية، فيمضي في أطروحات تستهلك جهده، ولا تقدم للمجتمع جرعات الوعي التي يحتاجها، مضيفا: على أننا قد نتفق أن المثقف الواعي يمارس "فعل" الوعي ونشره، وابتكار مساقاته، وأركز على قضية فتح مساقات مبتكرة لتنمية المجتمع، لأن إحدى مهماته أن يجدد في تصورات مجتمعه بوعي ويأخذه إلى أسباب متجددة للنجاح. وأوضح: وإذا وقفنا عند نقطة محددة تتصل بدوره في الأيام الوطنية لبلاده مثلا، خاصة في ظل ما يدور من أحداث تعصف بالمجتمعات العربية، سنجد أن على المثقف أن يسعى لطرح رؤاه المقنعة والمبتكرة، حماية للمجتمع من طوائف الفتن التي تسهم في انتكاس الأمة ولا يستفيد منها إلا أعداؤها. وأشار إلى أن النص الإبداعي سردا كان أو شعرا، يتميز عن أنساق التثقيف الأخرى، بأنه يقدم فعل التثقيف في قوالب جاذبة للقارئ والمستهلك، فيقبل عليها بنهم ويكون تأثيرها بالغا، لأنها تقدم الرأي مشفوعا بالدليل، ورسالة المثقف لها تأثيرها البالغ، وهي تلقي بظلالها إما السالبة على الوعي الجمعي كما فعلت "عيدية المتنبي"، وفي المقابل نجد تأثير الرسائل الإيجابية التي تنطوي عليها الأعمال الإبداعية، ولعلك تتلمس آثار تلك الرسائل الإيجابية في مثل قول الشاعر: وحبب أوطان الرجال إليهم....مآرب قضاها الشباب هنالكا وكما فعلت قصيدة الشابي في النفوس وهو يحرك أمة بقصيدة : إذا الشعب يوما أراد الحياة.... فلابد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ......ولابد للقيد أن ينكسر وفي رأي الدكتور عبدالمحسن القحطاني، رئيس نادي جدة الأدبي، أن على المثقف أن يعي الهوية الوطنية، وما معناها وماهو الانتماء ؟، موضحا: إذا تشرب بها المثقف وأستوعبها سيصدرها للمجتمع، أما إذا كان غير مستوعب لذلك فإنه لا يستطيع أن يفيد المجتمع. محمد البشير وقال: للأسف الشديد بعضنا لايعي ماهية الهوية والانتماء، مما يجعل المواطنة ضعيفة، فعلينا كأجيال التدرج في نشر رسالة المثقف حول المواطنة والانتماء، فالذي قام به الملك عبدالعزيز من توطين البادية والتدرج في استقرار الوضع وانتشار الوعي، مما جذب البادية وحببهم بالأرض التي يعيشون عليها، أكثر من انجذابهم للهوية. كذلك التعليم الذي يطارد القرى والهجر جعل للوطن قيمة واعتزاز وفخر لكل من تربى على أرض هذا الوطن، فهذه المسئولية لازالت موجودة، ومسئولية المثقف ترتكز حول تعريف المواطن بقيمة الوطن، وعلى المثقف أن يدرك أن كل مكان بالمملكة جزء هام من الوطن بغض النظر عن الإقليمية، وأكبر محصلة للبلد هي قضية توحيد المملكة تحت شعار الوطن الواحد، فهذه الملحمة تعلمنا معنى الهوية، وعدم التفكير الإقليمي، ولانفرق بين أيا من مدن المملكة ، فالشمال أحتاجه ظهر وسند، وتهامة درع حصين، والحجاز اتساع ونظرة وشمولية ، ونجد عاصمة ورمز ووحدة ، والحجاز منطقة الحرمين. من جانبه، قال الأديب محمد البشير: علاقة المثقف بوطنه يصدق عليها القول بأنها علاقة وليد بوالدته، فله وعليه حقوق وواجبات، ومتى ما اتسمت تلك العلاقة بالتكامل والكمال، تمخض عنها نتاج مشرق كوجه الوطن، ووصل ضيائها بامتداد أشعة الشمس، واليوم الوطني فرصة سانحة للتعبير عن تلك المشاعر المتولدة عن العلاقة الحميمة بسخونة رغيف الخبز، وبارتواء العروق بالماء الزلال، فرصة للتذكير بتلك العلاقة ، وتهذيب أوراقها لتظهر وارفة في عيني الرائي ، فرصة للتعريف بدور المثقف الفاعل في ميادين الفكر، وتحصين العقول من الزيغ والباطل متى ما مهدت الأرض لبذر الحقول بنتاجه وفكره، ومتى ما تركت مساحة مناسبة لخوض النقاش والحوار، وتقبل النقد كتقبل الناقد للقراءة ابتداءً. وتابع: فالوليد بطبعه يطمع في المزيد من والدته ولو وفرت له ما تراه كافياً، نحن نطمع في المزيد من منابر الفكر والثقافة، نطمع في صناعة مبدعين في شتى الفنون، وحضانتهم مبكراً لإخراج جيل قادر على سبق من أنجبه، وعلى المثقفين أن يشيعوا الثقافة في ذويهم؛ لتصبح بضاعة في متناول الجميع لا حكراً على أفرد، أن يجعلوها ممتعة ككرة القدم، لذيذة كالآيسكريم، مطلوبة كنفيس الدر.. رعاك الله يا وطني وجعلك مناراً للعلم والهدى. وقال القاص جبير المليحان: هذا سؤال عريض؛ فالمثقف يملك وعيا ورؤية خاصة في مسار مجتمعه، وهو كمواطن واعٍ يحلم بأن يرى مجتمعه سائرا في خطوات متقدمة في سباق المجتمعات البشرية الحثيث نحو التقدم والعلم والتحديث، إن مجموعة المثقفين في أي بلد هي التي تنهض بمسارات التحديث، وهي التي تؤثر في مفاصل ومسارات التنمية بشكل إيجابي يحدث تراكما نوعيا، وينقل تطور المجتمع من مسار إلى مسار أعلى، على أن المثقف يحتاج إلى أدوات ليقوم بدوره بشكل إيجابي، فهو يحتاج إلى جو من حرية الرأي ، وإلى تعددية في مؤسسات المجتمع المدني التي تؤسس لبنية متنامية لدولة حديثة تمشي بخطوات متسارعة يحكمها القانون، والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات والفرص، موضحا: وما نراه الآن أن مسار الإصلاح في المملكة يصب في هذا التوجه، بداية التغيير والتطور تبدأ بحلم، أو بخطوة.