"القانون لا يحمي المغفلين" مثل لا تكاد تجد أحداً لم يسمع به، بيد أن كثيراً من الناس يقعون ضيحة عدم وعيهم في مختلف القضايا التي يتعرضون لها، إما في نصب، أو تضليل أفكار، أو جنح لا تولد إلا العنف، وتروج هذه الأفكار ومنها الإرهابية والاستثمارية وغيرها، وكان أبرز حدث تخريبي خلال شهر رمضان استهداف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية، ومن الأفكار الاستثمارية التي يروج لها بطريقة الأخبار المضللة، المساهمات التي أدت الى تدمير ثروات المواطنين، و"مقالب" مثل فكرة الزئبق في مكان "سنجر" والتي ذهب ضحيتها الكثير من المواطنين. وعلى الرغم من وجود إجماع بين المختصين المعنيين بأهمية زيادة الوعي في المجتمع السعودي في المجالات كافة، إلا أن طرق معالجتهم للخلل، والذي ينتج عنه آثار كارثية على المستويين الفردي والجماعي تؤكد اختلافها في التشخيص، نظراً لتعدد أسباب عدم وجود الوعي أكان فرديا أم اجتماعيا. "الرياض" ناقشت أهمية زيادة الوعي لدى المواطنين، ومشاركتهم في الحد من الجريمة وانتشار الإرهاب والأعمال التخريبة، ونهب ثروات المواطنين. رأى المختص النفسي جعفر الخزعل أن الوعي يمكن أن نفعله عن طريق سبل عدة، ما يؤدي إلى تحقيق نتائج إيجابية على الصعيدين الفردي والجماعي، وعن مقاومة الإغراء، وهو نقيض الوعي، يقول: "سلوك الانسان غائي، أي له هدف وغاية يسعى الى تحقيقها، وحالة الاندفاع نحو شيء ما لها احتمالان، أحدهما التصرف بعقلانية، وهو ما نعبر عنه بالوعي، أي بعد استيفاء نقاط عدة، منها تحكيم العقل وحساب فرص الربح والخسارة، واستشارة أهل الاختصاص للتأكد من الخيارات، والاستفادة من تجارب الآخرين في المجال الذي سنقدم عليه، وهذا يساعد في الوصول لحالة الاستبصار والإقدام على العمل بعد مراجعة جميع الخيارات، عندها يصبح هذا الإقدام والاندفاع نوع من اغتنام فرص الخير، بحيث لو لم نقدم على السلوك كالبيع والشراء والدراسة نكون قد خسرنا الفرصة". وإن وضع الخزعل طرقا علمية لرفع درجة الوعي لدى المواطن، إلا أنه يحذر من عواقب عدم الوعي، إذ يقول عن الاحتمال الثاني: "نجده في إقدام الشخص على أمر ما دون حسابات، وهذا الأمر فيه مجازفة ومخاطرة قد تؤدي الى نتائج غير محمودة"، مضيفا: "إن الوعي بالمخاطر يؤدي غالبا إلى التريث وتعديل الأهداف أو الغايات أو تحسينها، وقلة الوعي نتيجة لقلة الخبرة أو لعدم توفر المعرفة يؤدي غالبا الى الوقوع في الخسائر"، مشيرا إلى مضاربين دخلوا سوق الأسهم دون دراية، فضاعت أموالهم كلمح البصر، وخرجوا خالي الوفاض". ومع انخفاض مستوى الوعي لدى المستثمرين في سوق الأسهم السعودي، إذ كانوا ينجرون إلى الإشاعات والأخبار المغلوطة، إلا أن الدكتور باسم أبوالسعود الذي دون نحو 34 ألف مشاركة في أحد المنتديات المختصة في شأن الأسهم يقول: "كنت أركز في جل المشاركات والمقالات التي كتبتها على ضرورة الوعي الذي يجنب المرء الخسارة"، مضيفا "إن بعض المستثمرين في السوق لم يكن لديهم وعي يمكنهم من تجنب الخسائر"، مشيراً إلى أن عدم وجود الوعي يعد أهم عوامل الخسائر التي يتكبدها المواطن، موضحاً: "بعض المستثمرين كانوا يظنون أن السوق عبارة عن دجاجة ستبيض ذهباً لهم، وهو إغراء يصعب على غير الواعي مقاومته". وشرح د.أبو السعود آلية اندفاع المواطن ب"غير وعي في السوق"، إذ قال: "كنا نعمل في أسواق الأسهم منذ أكثر من 20 عاما، وكنا نقنع بأرباح لا تتجاوز ال5 في المئة"، مستدركاً "إن حالة عدم الوعي سببت الطمع في الربح، ما أدخل الكثير في خسائر فادحة". ويتابع "هناك طرق عدة لا تأتي إلا إن وجد الوعي لدى صاحب المال، منها معرفة أن السوق في فترة تضخم المؤشر سيهوي نزولاً لكن غياب الوعي لدى المواطن ساهم في عدم رؤية هذه الحقيقة"، مشيراً إلى استغلال "الأذكياء للأغبياء"، إذ يضيف "كانت في هذه الفترة رسائل كاذبة يأخذ بها ضعاف الوعي، وهي رسائل تحثهم على الشراء من سهم معين، سرعان ما يتم تصريفه والتخلص منه من قبل الأذكياء الواعين". واعتبر الدكتور أن مثال سوق الأسهم جلي على حالات عدم الوعي في المجتمع، إذ يعتبر أن السوق "مؤشر" على الوعي العام والسلوك الاجتماعي، وبخاصة أن بعضهم أظهر سلوكا لا منطقيا أدى لخسارته لماله في شكل فادح، ويضيف "إن الاسثمار في سوق الأسهم لا يزال موجودا، لذا يجب أن يتعلم المستثمر من أخطائه إن كان مستمرا في اسثماراته"، مشيرا إلى أن الوعي يقتضي الإحساس بأخطاء الماضي، "وهذا ما ينطبق على جميع نواحي الحياة". وتطرق إلى حالات عدم الوعي، إذ يقول: "هناك من كان ساذجا بالكامل فباع منزله وسيارته من أجل الدخول في الاستثمار، فيما يأمر العقل الواعي بألا يفعل الشخص ذلك، إذ لا يتم الاستثمار بأموال تحتاجها أو عقار تحتاجه للسكن"، مشيرا إلى أن النتيجة الحقيقية للأشخاص غير الواعين تكمن في الإفلاس إن كان التوجه ماليا، أو إلى تراكم الديون التي لن يخرج منها غير الواعي أبدا. عقاب من دون وعي وليس بعيدا عن ما ذهب إليه أبو السعود والخزعل، تقول الناشطة الاجتماعية فاطمة محمد: "إن مسألة الوعي لدى المجتمع هامة جدا، خاصة على الصعيد الأسري، إذ أن غياب الوعي في مكونات الأسرة قد يقود إلى كوارث اجتماعية في شكل عام، وأسرية في شكل خاص"، موضحة:"إن بعض الفتيات يخرجن بغير وعي مع الشباب، معتقدات أنهن فرسان أحلامهن، بيد أن الحقيقة عكس ذلك". وأكدت فاطمة على أن غياب الوعي هو الذي يدمر حياة أسرة أو ينال من شرفها، إذ يعتبر المسؤول الأول عن الأخطاء التي تقع، وتضيف "إن بعض الأخطاء تعتبر فادحة ولا يمكن إصلاحها بسهولة، فإن وقعت الفتاة نتيجة جهلها في مأزق أو ورطة مع شاب يبتزها، فإن عدم وعيها هو الذي سيساهم في توغلها أكثر في الرذيله"، مشيرا إلى أن عدم وجود جو من الوعي داخل الأسرة يعقد الأمر أكثر مما يصلحه، مضيفة:"الفتاة التي تكتشف بالخروج مع شاب يتم معاقبتها وسجنها في البيت، وهذا عقاب ورد فعل غير عقلاني يدل على عدم وجود وعي أسري، كما أن المجتمع يتعامل مع الأخطاء بشكل غير واع، إذ يحكم على الفتاة بالعنوسة لأنها خرجت في إحدى السنوات التي لم تكن فيها واعية مع شاب". وطرحت فاطمة تساؤلات محاولة الإجابة عليها، إذ تقول: "لو فكر كل منا بوعي لخرجنا بحلول عقلانية للمشاكل التي نعاني منها، ووضعنا حلولا تمكننا من إكمال الحياة بأقل الأضرار"، مشددة على أن الوعي أحد أهم السبل التي تمكننا من القضاء على المشاكل ذات البعد الاجتماعي، شرط أن يتبع الحلول مجتمع واع يغفر الأخطاء التي تعتبر من الكبائر اجتماعيا. كما رأت أن الخارجات من السجن يعاملن اجتماعيا من دون وعي، وتقول في هذا الصدد: "إن بعض الخارجات من السجن وبصرف النظر عن قضيتهن يعاملن في شكل دوني، ما يعني ان الوعي في الطرف المقابل غائب تماما"، مشيرة إلى أن الأجدى به أن تعامل السجينة التي قضت عقوبتها في السجن كإنسانة يراد إصلاحها، لا الوقوف ضدها لتعود من جديد لما كانت عليه قبل دخول السجن. الوعي يقضي على الإرهاب ويشدد مثقفون على أن أخطر نماذج عدم وجود الوعي تلك التي تضر بأمن وسلامة الوطن والمواطن، وفي هذا الصدد يقول المفكر محمد المحفوظ: "إن الوعي يقودنا إلى إزالة الفكر المتشدد، وهو أمر لا يتحقق إلا بتفكيك حواضنه الفكرية والسياسية واللوجستية"، مضيفاً "إن تمكنا بوعينا الوطني من القيام بهذا التفكيك سنقضي على ظاهرة الإرهاب". وتابع قائلا "حين ننتقد الغلو وفكر التطرف الذي يحتكر الحقيقة، نخطو بذلك خطوة نحو الأمام، لأننا نحاصر هذا الفكر وننال منه ونحبطه"، مستدركا " إن وعينا يدعونا إلى محاربة كل النزعات الاحتكارية لقيم الدين، وأن نعمل على إرساء ثقافة الحوار والتسامح ونسبية الحقيقة، من دون أن نشرع في بث حقيقي للتعدد الفكري". وليس بعيداً عن ما يدعو له المحفوظ في محاربة الإرهاب، يقول عضو هيئة حقوق الإنسان الدكتور محمد الخنيزي:"محاولة الاغتيال التي حصلت مؤخراً تدل على عدم وعي في المنفذ، وفي اعتناقه لفكر ضال"، ومن زاويته ك"حقوقي" يقول : "إن ما حصل انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وهو بعيد كلياً عن الوعي الإنساني الذي يبني المجتمع ويطور أمنه"، مشيراً إلى أن حالة عدم الوعي في المنفذ ومن يقف خلفه، هي سبب رئيس في استهداف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف الذي تعامل بوعي ورحمة مع النفذ الذي قابل الاحسان بالإساءة. الأبناء ضحية جهل الوالدين من جانبه أكد المتحدث باسم شرطة المنطقة الشرقية العميد يوسف القحطاني، على أن عدم وعي الوالدين يقود لكوارث في الإسرة على وجه الخصوص، ويقول في هذا الصدد:"غالباً ما تستدرج الفتيات المراهقات أو القاصرات عبر المحادثات على شبكة الإنترنت"، مشيراً إلى قضايا عدة لعب فيها "الماسنجر" دورا سلبيا هاما، ويضيف "إن معظم قضايا الفتيات التي وقفنا عليها كان عدم وجود الوعي ظاهرا فيها، إذ أن مبتزي الفتيات يعمدون لكسب ثقة الفتاة عبر المحادثة على الإنترنت، وما إن يتحقق ذلك بسبب عدم وعي الفتاة حتى تقع فريسة له، بل يقوم بابتزازها عبر طلب المال منها". ونصح القحطاني الآباء بفرض رقابة واعية على أبنائهم، أو منع استخدامهم ل"التشات"، مشيرا إلى ضرورة أن يرفع الأب من وعيه كي يحمي نفسه وأسرته، وعن عدم الوعي لدى الفتاة التي تعتبر الضحية الأولى يقول: "إن الشاب يطمئن الفتاة، ويطلب منها صورها، وبكل سذاجة تثق فيه، وتسلمه صورها رغم وجود حالات توضح ابتزاز الشاب للفتاة"، وعلى عكس سذاجة الفتاة، يعمد شبان لأساليب عدة يقنعون من خلالها الفتاة للتحدث إليهم، ويدخل بعض الشبان مع الفتيات في أول محادثاتهم على أساس أنهم نساء، وشيئا فشيئا تثق الفتاة بالمتحدث، ثم يكشف أنه رجل بعد أن تسقط في يده"، مضيفا "إن بعض حالات الابتزاز لا تعرف الحدود، فهناك من يقطن في المنطقة الشمالية، فيما تكون ضحيته في المنطقة الشرقية أو أي منطقة أخرى".