نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفتنة الحوثية.. البداية والنهاية «الحلقة الرابعة» فشل المبادرات السلمية.. وخيارات الحسم الممكنة
نشر في الرياض يوم 22 - 09 - 2009

تعاملت الدولة مع فتنة التمرد الحوثي منذ البدايات الأولى لإرهاصاتها الفكرية العقائدية المعاصرة، من منطلق مسؤولياتها وواجباتها الدستورية في الحفاظ على السلم والأمن والاستقرار الاجتماعي، وصيانة سيادة ووحدة الوطن الجغرافية السياسية والاجتماعية، ملتزمة في ذلك بنهج السلام والحوار الوطني المسؤول والبناء كواجب ديني ووطني وخيار عملي استراتيجي ثابت لدى قيادتها ممثلة بفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح في التعامل مع مثل هكذا إشكالات وتعقيدات داخلية.
البدايات العملية في التعاطي الرسمي مع هذه الفتنة اعتمد أساليب وأدوات ولغة الحوار بمفرداتها ومفاهيمها الوطنية المختلفة (سياسياً، عقائدياً، فكرياً واجتماعياً) على قاعدة المصالح الوطنية العليا، وتسخير جهودها باتجاه احتواء هذا الفكر الضال وكشف مخاطره على الدين الإسلامي، وعلى الوحدة العقائدية والنسيج الاجتماعي والأخلاقي والثقافي للأمة، واتخذ الحوار سبلاً شتى واعتمد أشكالاً وأساليب عمل متعددة تستوعب وتلائم خصوصيات الواقع في صعدة وعلاقاته الاجتماعية القبلية، ومستوى ثقافة المواطنين ودرجة وعيهم وإيمانهم العقائدي، مسخرة في سبيل ذلك مختلف الوسائل الوطنية المتاحة، الدينية الثقافية التربوية التنويرية والسياسية والإعلامية، وفي هذا السياق تم تنظيم الكثير من الحوارات والندوات والمؤتمرات العلمية الرسمية والشعبية التي شارك فيها طابور طويل من علماء ورجال دين ومثقفين وسياسيين ورجال إعلام من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية والمذهبية، وجميعها أكدت ضلالية وظلامية هذه الجماعة وخروجها الواضح على سنن الشرع وإجماع الأمة وعلى الثوابت الوطنية والتشريعات الدستورية.. كما كشفت هذه الفعاليات الحوارية العلمية عن مخاطر أهداف هذه الجماعة وطبيعة ارتباطاتها بأجندة سياسية عسكرية أمنية وولاءات عقائدية مذهبية ومصالح إستراتيجية لقوى خارجية تدعمها، وبينت مشاريعها السياسية التدميرية، وتوجهاتها العملية لإذكاء فتنة الصراعات الطائفية المذهبية بين أبناء الوطن الواحد.
وإن استخدام الدولة الاضطراري لمؤسسات ووسائل الردع الشرعية العسكرية والأمنية حتمته الحاجة الوطنية في التصدي لجرائم العصابة وإنهاء تمردها، والتزام الدولة تنفيذ واجباتها في حماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة، وهذا الاستخدام ظل على الدوام محكوماً بجملة من المعايير الإنسانية والمسؤوليات الوطنية في الحفاظ على حياة وسلامة المواطنين والشباب المغرر بهم وتجنب أي أضرار بشرية ومادية مباشرة بالمواطنين؛ وألا تتسبب في زيادة معاناتهم وتعكير صفو نشاطهم العملي والحياتي.. كما أن هذا الاستخدام ظل خلال جولات الصراعات السابقة محصوراً ضمن نطاق ضيق من الأهداف المرحلية التكتيكية المرسخة لإضعاف البنية العسكرية وتدمير الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، لهذه الجماعة والحد من مخاطرها الأمنية والعسكرية على حياة المواطنين وجعل نشاطها الإرهابي وتمردها المسلح بالغ التكاليف بالنسبة إليها، وإقناعها بعدم مشروعية تمردها واستحالة تحقيق أهدافها بوسائل الإرهاب والعنف المسلح، إلى جانب إجبار قادتها على القبول بخيار السلام وتحقيق أكبر قدر ممكن من الضغط النفسي والمعنوي على جماعة الشباب المغرر بهم حتى يسهل عودتهم إلى جادة الصواب.
خلال السنوات المنصرمة من عمر الفتنة وخمس جولات من الصراعات المسلحة ظل خيار السلام والحوار موقفاً استراتيجياً ثابتاً في التعامل مع هذه الجماعة، محصوراً ضمن جملة من الشروط المشروعة المحددة في نبذ العنف والإرهاب والتطرف كوسائل لتحقيق أهدافها السياسية وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والنزول من والجبال والمرتفعات وإنهاء التمترس فيها وفي جوانب الطرق العامة، والكف عن جرائم القتل والإرهاب وتدمير الممتلكات والقبول بمبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات واللجوء إلى العمل السياسي في الوسائل والآليات الديمقراطية المعمول بها ووفق القوانين والتشريعات السائدة.
هذه الشروط والمطالب لم تتغير مضمونها في أية مرحلة من مراحل الصراع العسكري، حتى حين تكون الدولة في موقف القوة والسيطرة تكون مضطرة لوقف عملياتها الحربية حقناً للدماء.
متطلبات الدولة لتحقيق السلام نابعة من جوهر مسؤولياتها الدستورية وواجباتها المجسدة لإرادة ومتطلبات قطاع واسع في القوى الاجتماعية، وتتوخى تضافر الجهود والطاقات الوطنية لاحتواء الفتنة سلمياً وبأقل قدر من التكاليف المادية والبشرية، وقطع دابر التدخلات الخارجية والاستثمارات الداخلية الخاطئة.
قبول الدولة لوقف العمليات العسكرية والاستجابة لدعوة الحوار غالباً ما استخدمها الحوثيون وسائل تكتيكية لتجنيب أنفسهم حتمية الانهيار والهزيمة العسكرية ومحطات استراحة لإعادة بناء قدراتهم وإمكاناتهم العسكرية والاستعداد المكثف لجولة جديدة من الصراع المسلح مع الدولة، وهو ما جعل بعضهم يشكك في موقف الدولة وسياساتها وأساليب تعاملها مع الفتنة وبعضها الآخر حاول تأويلها بما يتفق ومع قناعاته وأهوائه السياسية، وفهمها بعضهم بشكل غير سليم وخارج دائرة الحسابات الوطنية العليا، وأياً كانت هذه القناعات والتأويلات الخاطئة والمسيئة لموقف الدولة إلاَّ أنها لا تستطيع أن تلغي أو تتجاوز حقيقة أن السلام كان وسيظل على الدوام خياراً إستراتيجياً يعبر عن حكمة القيادة وسلامة قراءاتها لمعطيات الواقع وخصوصيته، وصوابية استقرائه للمستقبل والمتغيرات الإقليمية والعالمية.
إن الأخذ بخيار السلام كنهج في التعامل مع هذه الظاهرة والمضي بها إلى أقصى مدى يمكن بلوغه، والحرص على العمل به حتى تستنفد كافة إمكاناته المتاحة إنما هو دليل على قوة ومتانة النظام الوطني والثقة بإمكاناته التاريخية ورسالته الوطنية والإنسانية إلى جانب كونه خياراً يتجاوب مع إرادة ومصالح كافة أبناء الوطن ومع اشتراطات ومتطلبات الأمن والاستقرار الإقليمي واحتياجات السلام الدولي.
لم تتوان الدولة في أية مرحلة من مراحل الصراع في القبول الفوري بوقف عملياتها العسكرية، استجابة لمطلب المواطنين المتضررين من الحرب أو لوساطات داخلية أو بطلب من قبل الجماعات الحوثية التي تتظاهر بالقبول بشروط وقف العمليات العسكرية، لا يتسع المجال لتناول كل المبادرات السلمية والخيارات التي قدمتها للمتمردين الحوثيين خلال مراحل الصراع المختلفة، ولكننا سنتوقف هنا أمام ثلاث محطات شهدتها الساحة خلال العامين المنصرمين، حتى يكون القارئ على بينة بموقف الدولة وجهودها في وقف نزيف الدم والحرب التي يدفع ثمنها الوطن اليمني، هذه المحطات الثلاث تجد أن الخيار السلمي الذي انتهجته الدولة منذ البدايات الأولى للفتنة قد وصل الآن إلى أقصى مدى يمكن له، بعد أن استنفذت الدولة كل عروضها وأوراقها السلمية الممكنة والمتاحة في التعامل مع هذه الفتنة وإنهاءها بالوسائل السلمية.
المحطة الأولى: التي نود التوقف أمامها هي الوساطة القطرية التي يتباكى الحوثيون عليها ويطالبون اليوم بالعودة إليها كشرط لوقف اعتداءاتهم على المواطنين وأفراد الجيش والأمن وفتح الطرق أمام حركة المواطنين وتنقلهم، في هذه الاتفاقية قدمت الدولة تنازلات كبيرة وقاسية عن واجباتها وحقوقها في سبيل الظفر بسلام دائم والحفاظ على حياة السكان وأمنهم واستقرارهم وعلى ما أبقت عليه هذه العصابة من ممتلكات عامة وخاصة لم يطالها التدمير، وتطبيع الحياة في المحافظة وتهيئة الأجواء السلمية المواتية لإعادة أعمارها وإطلاق عجلة التنمية والبناء الشامل، وتعويض المتضررين من الأحداث، هذه الاتفاقية التي اعتبرها المتمردون الحوثيون انتصاراً تاريخياً لهم مثلت في نظر كثير من المراقبين آخر فرصة سياسية سلمية ممكنة للحل استجابة فيها الدولة لجهود ومساعي الأشقاء في معالجة هذه الفتنة وحرصهم على احتواء آية مخاطر تترتب عنها على الأمن والاستقرار الإقليمي، هذه الاتفاقية وجدها قطاع واسع من الشعب وقواه الاجتماعية والسياسية تنازلاً غير مبرر من قبل الدولة لمطالب الإرهابيين، وأظهر الكثير منهم امتعاضهم وعدم قبولهم بها مبررين ذلك بجملة من الاعتراضات والانتقادات الموضوعية لموقف الدولة نشرتها في حينها مختلف وسائل الإعلام الحزبية والمستقلة ومن أبرزها:
أن الدولة انصاعت لمطالب وشروط المتمردين الحوثيين واستجابت لمساعيهم لإخراج القضية من إطارها الوطني باعتبارها قضية أمنية وجرائم جنائية وتمرد مسلح غير مشروع على الدولة، وإخراجها إلى الإطار الإقليمي ومحاولة تدويلها وتحويلها إلى قضية سياسية ومطالب حقوقية تأتي في سياق العمل المعارض المشروع، وما قد يترتب عن ذلك من فتح الأبواب على مصاريعها للتدخلات الخارجية في الشأن اليمني، وما قد يترتب على ذلك من استحقاقات يتوجب على الدولة التعاطي معها دون مبرر كافٍ لذلك.
إن الدولة قبلت من خلال هذه الاتفاقية بالحوار مع الجماعة المتمردة كند لها، وهو ما يشجع جماعات وعصابات إجرامية أخرى على المضي في نفس الطريق للوصول إلى غاياتها، والتمرد على الشرعية الدستورية والوطنية واللجوء إلى التطرف والإرهاب والعصيان المسلح كوسيلة لتحقيق أهدافها ومصالحها الضيقة المناقضة لمصالح الوطن والشعب، وما قد يترتب عن ذلك من استشراء للمشاريع التفكيكية والنزعات العصبوية الضيقة في واقع اجتماعي متخلف ومحدود الإمكانيات والموارد.
عدم التعرض بشأن الحق العام من قبل الدولة لكل من شارك في الحرب ضد الدولة واقترف جرائم بحق الوطن والشعب، وتخلي الدولة عن حقها وواجباتها في ملاحقة المجرمين ومقاضاتهم ومحاسبتهم على كل جرائمهم، واعتبر بعضهم موقف الدولة مكافأة للمجرمين على جرائمهم.
انتقد البعض قبول الدولة هذه الاتفاقية وإطلاق سراح المعتقلين من المتمردين الحوثيين ومعاملة القتلى منهم في الحقوق أسوة بالشهداء والجرحى من أفراد القوات المسلحة والأمن وكذلك تعويضهم عن ممتلكاتهم أسوة بغيرهم من المواطنين، ورأى البعض من المعارضين لهذه الاتفاقية أن هذه وغيرها من الشروط تعد مكافأة لعصابة مجرمة ومثل هذه الشروط لا يمكن أن تتحقق إلا في حالة واحدة عندما تكون فيها القضية سياسية ومعترف بها دولياً ومحلياً، ويتم معالجتها من منظور سياسي مشروط بقرار العفو العام الذي يمثل خياراً نهائياً وحلاً جذرياً لمثل هكذا قضية سياسية، وهذا ما لا يمكن تطبيقه على الجماعات الحوثية التي شملها في وقت سابق قرار العفو العام بعد نهاية الجولة الأولى من الصراع حيث لم تستفد من قرار العفو العام ولم تعمل بشروطه بل عاودت أعمالها الإجرامية وتمردها المسلح بموقفها الجديد.
هذه الاتفاقية التي حملت في مضامينها الكثير من الإغراءات والامتيازات للعناصر المغرر بهم من الشباب ووجدت فيها الخيار الأسلم لعودتهم إلى جادة الصواب وإلى الحياة الطبيعية كغيرهم من المواطنين رفضتها قيادة التمرد.. لأنها لا تتفق ومشاريعهم وأجندتهم السياسية البعيدة المدى ووجدت فيها بداية النهاية لحركتهم ولهذا عملوا منذ اللحظة الأولى لدخول هذه الاتفاقية مجال التنفيذ على إجهاضها أسوة بغيرها من الاتفاقات السلمية السابقة وجعلوا منها محطة استراحة لإعادة تجميع قواهم وبناء ما دمر في بنيتهم العسكرية والاستعداد لجولة جديدة من الصراع، لم يلتزموا بالتنفيذ الناجز لأي بند من بنودها والجهود التي بذلتها الدولة بالتعاون مع الوسيط القطري ونجحت في تجاوز مئات العراقيل والعقبات الجسيمة التي وضعتها عناصر التمرد أمام تنفيذ كل بند من هذه البنود، جهود الدولة والوسيط تحطمت بشكل نهائي أمام إصرار المتمردين الحوثيين على عدم تسليم أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة وعدم إخلاء مواقعهم في جبل (عزان) حيث يمثل وجودهم فيه تهديداً مباشراً لأمن وسلامة الطيران في مطار صعدة، وهذا التشدد الحوثي هو ما دفع الجانب القطري إلى الانسحاب من دور الوساطة ليتحقق بذلك سعى الحوثيين في وأد هذه المبادرة قبل أن ترى النور، بتنصلها عن بنود اتفاقية الدوحة أكدت قيادة التمرد الحوثي أنها عصابة إجرامية وإرهابية خطيرة لا علاقة لها بالمبدأ ولا صلة لها بدين؛ ولا رابطة لها بمجتمع، وأن هوسها السياسي وحلمها المستحيل في العودة بالوطن إلى مصيدة المشروع السياسي الإمامي الكهنوتي وادعاء الحق الإلهي في الحكم لهم دون غيرهم جعلها أكثر حرصاً على إبقاء الأوضاع غير مستقرة ورفضها الانصياع لكل المبادرات والجهود السلمية واللجوء إلى وسائل إذكاء الصراع المسلح وتوتير الأوضاع ومزاولة الابتزاز السياسي للوطن والدولة.
المحطة الثانية: التي يمكن الوقوف أمهامها في سياق جهود الدولة السلمية لاحتواء الفتنة تمثلت في قرار الرئيس علي عبدالله صالح في 17/7/2008م الخاص بوقف العلميات العسكرية في مرحلتها الخامسة أو ما يطلق عليها البعض (الحرب الخامسة)، وهذا القرار عكس مجدداً حرص القيادة على الاستمرار في تمسكها بخيار السلام وسعيها المتواصل للحفاظ على أمن واستقرار وسلامة الوطن ووحدته الاجتماعية وقطع دابر الفتنة ووقف الاحتراب وسفك الدماء.
من خلال القراءة المتأنية لقرار الرئيس والنقاط العشر التي تضمنها لوقف شامل للعمليات العسكرية وإنهاء الفتنة نجدها تعبيراً حقيقياً عن التوجهات والنوايا الصادقة لدى الحكومة والقيادة اليمنية لإحلال الوئام والسلام الاجتماعي وإيجاد المعالجات الشاملة للأوضاع في المحافظة وفي مختلف مجالات الحياة باعتبارها جزءاً من المكون الجغرافي والنسيج الاجتماعي للوطن اليمني، وحتى يكون القارئ على بينة من الموقف الرسمي نعيد نشر النقاط العشر التي حددها فخامة الرئيس لوقف العمليات العسكرية في بعض مديريات صعدة والمتمثلة في الآتي:
التزام وقف إطلاق النار.
فتح الطرق وإزالة الألغام وتفجيرها أو تسليمها للدولة.
النزول من الجبال.. وإنهاء التمترس فيها وفي المزارع.. وإخلاء منازل المواطنين.
إنهاء المظاهر المسلحة.. والاستفزازية في كافة مديريات محافظة صعدة.
تسليم الأسلحة المتوسطة والثقيلة التي بحوزتهم إلى الدولة.
عودة المواطنين النازحين من جراء الفتنة إلى منازلهم وقراهم.. وعدم التعرض لهم.
خروج عناصر التخريب والتمرد من أتباع الحوثي الوافدين إلى مديريات محافظة صعدة وعودتهم إلى مناطقهم.
تسليم المختطفين من القوات المسلحة والأمن والمواطنين إلى السلطة المحلية.
عودة المنهوبات إلى السلطة المحلية وإلى القوات المسلحة والأمن.
إن الدولة هي المسئولة من دون غيرها في بسط سلطة النظام والقانون في كل محافظة صعدة.. شأنها شأن كل محافظات الجمهورية.
كعادتها دمرت هذه الجماعة وأسقطت بسلوكها العملي كل هذه النقاط متخذة خيار التصعيد العسكري ومحاولة فرض حروبها الإجرامية على الدولة.
المحطة الثالثة: كانت في 12/8/2009م حين وقفت اللجنة الأمنية أمام حقيقة الأفعال الإجرامية والاعتداءات المتكررة على المواطنين الذين يختلفون معهم في الرأي والموقف، وكذا على أفراد القوات المسلحة والأمن، والخروقات المتواصلة للاتفاقيات السلمية من قبل هذه العصابة الإجرامية وأمام حقيقة الخطر المتنامي لهذه الجماعة ونهجها التدميري وتمددها الجغرافي داخل محافظة صعدة.
وانطلاقاً من مسؤوليتها الوطنية والدينية والتاريخية والأخلاقية في التعامل مع مثل هكذا تهديدات مستشرية للأمن القومي، وتأكيداً على الاستمرار في خيار السلام وجدية موقف الحكومة في إحلال السلام قدمت اللجنة الأمنية فرصة جديدة لإنهاء الفتنة سلمياً من خلال مبادرتها التاريخية التي تضمنت النقاط الست التالية:
الانسحاب من جميع المديريات ورفع كافة النقاط المعيقة لحركة المواطنين من كافة الطرق.
النزول من الجبال والمواقع المتمترسين فيها وإنهاء التقطع وأعمال التخريب.
تسليم المعدات التي تم الاستيلاء عليها من مدنية وعسكرية وغيرها.
الكشف عن مصير المختطفين الأجانب الستة (أسرة ألمانية وبريطاني واحد) كون المعلومات تؤكد أن عناصر التمرد وراء عملية الاختطاف.
تسليم المختطفين من أبناء محافظة صعدة.
عدم التدخل في شؤون السلطة المحلية بأي شكل من الأشكال.
مجمل هذه الشروط لا تحمل في مضامينها أي جور أو اعتداء أو انتقاص من حقوق الحوثيين الدستورية كمواطنين يمنيين أسوة بغيرهم من أبناء المحافظات الأخرى، وهي في مضمونها تؤكد على حقوق الدولة وواجباتها في تطبيق القانون وحماية أمن المواطنين وتفعيل سيادة وسلطان الدولة، كما أنها تعبر عن دعوة صادقة لإحلال الأمن والسلام ومتحررة من الثارات والنزعات الانتقامية.
أمام رفض الجماعة الحوثية لهذه المطالب الستة لم يكن أمام الدولة من خيارات بديلة ومتاحة سوى تحمل مسؤولياتها الوطنية والتاريخية واستخدام مؤسساتها الدستورية الشرعية في فرض القانون وسلطات الدولة، من خلال المضي في التصدي لجرائم المتمردين الحوثيين عبر عمليات عسكرية طويلة وواسعة النطاق حتى تتحقق أهدافها بشكل ناجز وكامل.
* رئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر اليمنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.