شهد سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة مساء أمس الأول (الأربعاء) آخر محاضرة دينية في قصر سموه في البطين في العاصمة الإماراتية (أبوظبي) حيث اختتم الفعاليات الدكتور الشيخ عايض بن عبدالله القرني المشرف على شبكة الإسلام والأمين العام لمؤسسة مبدؤنا للإعلام والنشر بمحاضرة بعنوان (ثقافة التسامح في الإسلام) حضرها أصحاب السمو الشيوخ والمعالي والسعادة وعدد من المدعوين. وقد أشاد الدكتور عائض القرني بمجلس سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والمحاضرات القيِّمة التي نظمت في المجلس طوال الشهر الفضيل مؤكداً أن محمد بن زايد يحرص على تنظيم محاضرات متنوعة هادفة من خلال المجلس الذي يحضره نخبة من المفكرين وكبار المسؤولين. وأكد المحاضر في ندوته التي حضرها أكثر من 300 شخص على أن ثقافة التسامح هي مشروع حضاري إنساني يقوم على بث الوعي بضرورة التسامح مع أنفسنا ومع الآخرين والمصالحة مع البشر تحت مظلة الاحترام وتبادل المصالح مع المحافظة على ديننا الحنيف وقيمنا الأصيلة، وفي ظل الحديث عن ثقافة التسامح فإننا أحوج إلى أن نقدم للعالم دعوة سلام ومحبة وحوار وخطاب تصالحي مقبول حيث إن رسالة الإسلام رسالة رحمة وحب وتسامح فلماذا نحولها غلظة وفظاظة وتهديداً ووعيداً وإقصاء للآخر؟ وأضاف الشيخ القرني: إن رسالة الإسلام رسالة عالمية فالإسلام أرفع وأعظم دين وخاتم الرسالات وهي رسالة تجمع ولا تفرّق، ولكن ما نسمعه في بعض خطب الجمعة وبعض المحاضرات وكأننا سنواجه العالم ونستعدي العالم، والبعض يحول رسالة الإسلام إلى رسالة تهديد ووعيد، وتساءل لماذا نعرض أنفسنا بهذا الخطاب الذي لا يليق بنا وبديننا الحنيف، فالعالم لا يثق بنا حتى يسمع خطاب التسامح والقبول والتصالح حيث إن رسالتنا رسالة عالمية إنسانية فلماذا نجعلها إقليمية ولماذا نختصر عمومها وشمولها في فهمنا الخاطئ في التعامل مع الآخرين؟ وأوضح الداعية القرني أن بعض الخطباء يدعون «اللهم دمر أعداء الإسلام بالفيضانات والحرائق والقتل وإنفلونزا الخنازير»، وهم لا يعرفون أن هذا يصيبنا فنحن لا نعيش في كوكب آخر، فنحن يجب ألا نعادي إلا من احتل أرضنا واغتصبها واعتدى علينا، ولكن لماذا نعادي العالم بهذا الخطاب المتشدد، والملاحظ أن خطابنا الديني إقصائي حتى دعاؤنا في الصلاة أحياناً ندعو على كل الأمم والطوائف والمذاهب إلا أهل حينا، لذلك أطلب الانفتاح على المجتمع العالمي بالخطاب المرن والمهذب والمتصالح، إن من يدعو عليهم الأئمة والخطباء صنعوا الكثير للبشرية من الفوائد الصناعية والتكنولوجيا ومنها الميكروفون الذي يتحدث من خلاله الأئمة والخطباء في المساجد. وقال الدكتور عائض القرني: نحن نطلب العفو من الله لكن الكثير منا للأسف لا يعفو عن الناس والآخرين ولا يسامحهم، فالكثير منا بجانبه أخ وجار وصديق مقاطع له، والله يعفو ويصفح لمن يريد التسامح ، نحن طيبون مع أنفسنا ونلتمس الأعذار لأنفسنا ولكن لا نعذر غيرنا إذا أخطأ ولا نقبل عذره أبداً ولا نقبل توبته. وأضاف: لسنا أوصياء على الدين وليس أحد منا ناطقاً رسمياً باسم الإسلام ومفاتيح الجنة ليست بأيدينا وما عندنا في الإسلام (بابا ولا ماما)، فنحن عباد الواحد الأحد وجميعنا من ملوك وزعماء ومفكرين وأدباء نخطئ ونصيب، وينبغي ألا نعطي قداسة لشخص حتى لا يفرض آراءه على الآخرين، فنحن لا نملك الكلمة الأخيرة واجتهاداتنا ليست مصانة ومقدسة ولا بد أن نحترم وجهات النظر الأخرى ونحاورهم، ويجب أن نربي أولادنا على احترام الرأي الآخر وعلى الحوار مع من نختلف معه، ويجب أن نحرص على تطبيق ما جاء في القرآن والسنَّة كما أوصانا ربي بها. واسترسل المحاضر الشيخ القرني واصفاً حال الأمة المتردي والمهزوم مشيراً إلى القتال الدائر في الصومال وفي أفغانستان وفي العراق وفي فلسطين بينما العالم سائر في اختراعاته واكتشافاته وصناعاته ، وسبر أعماق البحار وغزو الفضاء وصناعة التكنولوجيا والبحث عن الاختراعات الجديدة ، والاكتشافات العلمية المهولة لخدمة البشرية، وهنا طالب القرني من الفضائيات ورجال الإعلام والصحافة بالدور المنشود وإبراز رسالة الإسلام الواضحة المرنة العادلة التي تدعو إلى التصالح والتسامح لتجميل صورة الإسلام الحنيف وتغيير الصورة البشعة التي رسمها البعض لتشويه صورة الإسلام الحقيقي. وأضاف القرني: إننا في أشد الحاجة إلى تقديم خطاب تسامحي وتصالحي مقبول، وألا نخلط بين كلام العلماء وكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في القطعية والثبوت والدلالة، فعلى سبيل المثال يجب التقصير في خطبة الجمعة وعدم الإطالة فيها للتخفيف عن المسلمين وترغيبهم في الصلاة. وعن العلاقات الاجتماعية بين المسلمين قال الدكتور عايض القرني: إنه مطلوب أن نتسامح مع أنفسنا من الداخل ونتسامح مع زوجاتنا وأولادنا وأسرنا ومع جيراننا والمسلمين ونقدم رسالة التسامح للعالم عندها سيحترمنا العالم والآخرون، كما آمل أن تتسع صدورنا للخلاف ولا نتشبث بالرأي الواحد ونقصي الآخرين. وحول كيفية نشر رسالة التسامح للجيل الصاعد قال: إنه يتم ذلك من خلال المناهج التي تحتاج إلى إعادة نظر، وينبغي أن نبلغ أطفالنا بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومطلوب التركيز على ثقافة التسامح والمحبة والسلام والتعايش والهدوء للأطفال.