هل كان في وسعه صناعة أفلامه المميزة من دون الاستعانة بهوليود؟. للمخرج الأمريكي جيم جارموش آراؤه الحادة في هوليود وهو يفضل الاستقلال عنها وعن سيطرة منتجيها وشركاتها الكبيرة معتبراً السينما المستقلة أفضل وعاء يحتوي الفن النقي الخالي من شوائب التجارة والاستهلاك. ورغم أنه قد أنتجَ أفلامه منذ العام 1984 باستقلالية إلا أنه لم يسلم من تأثير هوليود التي وفّرت له الفنيين والتقنيين ، حتى يمكن القول إنه لولاها لما وجد "جارموش" الكوادر البشرية التي يعتمد عليها لإنجاز أعماله ذات الحس الجمالي الآسر. ففي كل فيلم يقدمه "جارموش" لابد أن تجد ممثلين ومصورين يعملون في قلب الصناعة الهوليودية، يقدمون معه عملاً، ثم يذهبون لاستوديوهات الشركات الكبيرة ليقدموا أفلاماً استهلاكية من نوع "قراصنة الكاريبي" وBride Wars. وهذا أمر طبيعي ، لأن سينما هوليود هي التي تُحرّك دورة المال في صناعة السينما الأمريكية ومنها يحصل الفنيون على أجورهم العالية التي تضمن لهم مستوى معيشياً مقبولاً يجعلهم متوفرين في أي وقت يحتاجهم فيه المخرجون المستقلون أمثال جارموش. وصناعة الفن لا تقوم على المخرج فقط ولا على الممثل فقط بل تحتاج إلى كوادر مؤهلة في بقية التخصصات وبأعداد كبيرة. إذا نظرنا إلى وضع الإنتاج في الدراما المحلية لوجدناه تائهاً متعثراً ويشكو من قلةٍ في الكوادر, ولو أن لدينا مخرجاً مستقلاً ومبدعاً مثل "جارموش" لما أمكنه صناعة عمل جيد لأنه لن يعثر على مصوّر سعودي مميز ولا على مدير إنتاج يستطيع ترجمة ما يريده من صورٍ إبداعية. وفي حال توفر هؤلاء فإنهم لن يتجاوزوا عدد أصابع اليد الواحدة. وهنا بالضبط تكمن مشكلة الدراما المحلية, في افتقادها للبيئة الإنتاجية الصحيحة التي توّفر للمبدع كل ما يحتاجه من كوادر, فالموجود لدينا –الآن وفعلاً- لا يتجاوز العشرين مصوراً –المبدع بينهم واحد أو اثنان- وأربعة مدراء إنتاج وخمسة مخرجين جيّدين وعشرين ممثلاً من نجوم الدرجة الأولى. إن أرقاماً هزيلة كهذه لن تضمن لنا سوى عملين إلى ثلاثة أعمال مميزة سنوياً, أما العشرة أعمال التي نراها في رمضان الحالي فهي فوق طاقة الفنانين الفاعلين في الساحة المحلية الآن, لذا من الطبيعي أن تظهر بمستوى متواضع, لأن الفنانين في هذه الحالة مُطالبون ببذل ثلاثة أضعاف الجهد الذي يبذله أي فنان آخر يعيش في بيئة فنية سليمة. الدراما المحلية لا تزال في طور الاجتهاد وفي عمر التأسيس ولم تبلغ بعد مرحلة الصناعة الحقيقية, وهي لا تملك سوى مائة فنان محترف يتوزعون في مختلف التخصصات ومنهم يتألف جسد الصناعة الفنية في المملكة, ولكي يصبح الجسد جميلاً صحيحاً وسليماً لابد من توفير أعداد كبيرة من الفنيين في جميع التخصصات التقنية, إنهم العضلات التي يتقوى بها المخرج المبدع الذي هو بمثابة "العقل" بالنسبة لهذا الجسد.. أما كيف نربي جسدنا الدرامي ففي مقال لاحق.