تستنزفنا مسلسلات رمضان وبرامجه التي تهطل علينا كل عام من كل حدب وصوب، سلة رمضانية عامرة مليئة بكل ما هب ودب، من الدراما الى الأفلام إلى الفوازير الرمضانية والمسابقات، وما تحمله لهواتها من آمال تتسع حتى حدود الكون، إلى لقاءات وسهرات تلفزيونية شتى، حتى أنه يصبح من الصعب إن لم نقل من المستحيل متابعة معظم ما تقدمه الشاشات الصغيرة في هذا الشهر الفضيل، ولأنني غارق في مهنة المتاعب، أرى كما هو الحال بالنسبة للكثيرين في شهر رمضان المبارك فرصة لتمضية الوقت في متابعة مواد ومسلسلات قد لا يخطر ببالنا متابعتها خلال أيام السنة كلها، وإذا كانت متابعتنا للمسلسلات وبرامج رمضان باتت أشبه بالتقليد الشعبي، حيث تمتد الفترة من الفطور الى السحور محملة بنوع من الكسل والتراخي، لكنك تفاجأ أحيانا عندما ترى مادة تلفزيونية تستدعي حواسك وانتباهك لدرجة تجعلك تنظر الى ساعتك أكثر من مرة بانتظارها. هذا في الواقع ما جرى بالنسبة لي عندما وقعت فجأة على برنامج يقدمه على شاشة ال mbc الإعلامي احمد الشقيري باسم خواطر، لا سيما وأنه اختار بلد كاليابان لتكون أرض برنامجه المميز، وفبتقنية الإعلامي الذكي واحتراف الفنان المبدع، يقدم هذا الإعلامي لنا بعد الفطور مادة لا أشهى ولا أفضل، لأنه يقدم لنا مقاربة ومقارنة اشد ما نكون بحاجة اليها، مقارنة بين أحوالنا نحن في معظم البلدان العربية والإسلامية، ودولة كاليابان حصدت الحرب العالمية منها ما حصدت، دولة أرسلت في الاربعينيات من القرن الماضي وفدا الى مصر لدراسة التجربة المصرية والاستفادة منها، ولا سيما في مجال التنظيم الحكومي، دولة دفعت فاتورة هي الأثقل في الحرب العالمية الثانية، لكنها وقفت وامتشقت قامتها لتصبح من العمالقة في مجال العلوم والصناعات وغيرها، ادهشتنا خواطر 5 بما يحمله لنا كل مساء من مقارنات بين أحوالنا في الدول العربية والاسلامية وهذا البلد الرائد، الذي انتبه لكل مفاصل الحياة وأدقها أصغرها، بدءاً من تنظيف المدن الى صناعة أحدث ما توصل إليه العلم من الأجهزة وغيرها، بلد وضع النظام نصب عينيه، فكان جديرا للوصول الى القمة، ولئن كان هذا طبيعيا، من حيث ان من يزرع لابد له من أن يحصد، إلا ان المفارقة التي تفرض ذاتها هنا هي لماذا نحن في الدول العربية نغرق كل يوم أكثر في متاهات التخلف ونتراجع دائما إلى الصفوف الخلفية بين الأمم، أليس غريباً أن يكون هذا هو حالنا ونحن أبناء وحملة راية الدين الإسلامي الحنيف الذي يحض ويدفع ويحرض على العمل والعمل المخلص في كل مجالات الحياة، أليس نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي قال اطلبوا العلم ولو في الصين، او ليس هو القائل (ص) اعمل لدنياك كانك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كانك تموت غداً. في إحدى حلقات خواطر 5 شاهدنا كيف يتعلق الناس في اليابان بالوقت ويلتزمون به بشكل أقرب ما يكون إلى القداسة، بينما تنتهك في بلادنا كل أهمية للزمن وكأننا نعيش خارج هذه المجرة، وفي حلقة أخرى اخبرنا الشقيري بأن راتب عامل النظافة يقارب الثمانية آلاف دولار في الشهر، وعندما حملنا عبر الكاميرا الى بيت عامل النظافة الياباني، وجدنا كم هم الشباب الذين يسعون بالكد والجهد والعمل المميت لكي يأمنوا بيتا يشبه ذلك البيت المجهز بكافة أسباب الحياة الكريمة، لسبب واحد وهو احترام الإنسان وتقديس العمل، وخلال تجولنا مع الشقيري شاهدنا ايضا كيف تحفظ القمامة من دون ان تنتشر روائحها في كل مكان كما هو الحال في الكثير من بلداننا، شاهدنا وشاهدنا وشاهدنا الكثير على يد هذا الإعلامي المبدع وعلى هذه الشاشة التي أسميها ال mbc التي تستحوذ على أعلى نسبة مشاهدة عربية وأكثر مشاهدة من المتابعين في السعودية حسب الإحصائيات الأخيرة، ولكننا إذا أردنا ان نقول شيئا في هذا البرنامج او ما يشابهه على شاتنا الصغيرة وإن كانت قليلة أهمية للزمن وكانتا، فهو أننا بحاجة الى الكثير من التساؤلات التي لابد من قذفها بقوة في فضائنا العربي علنا نجد إجابات عليها تكون مقدمة منطقية لتجاوز ما نعانيه من تخلف بعد أن كنا سادة بين الأمم.