معرض تكريمي لأندريه مالرو في باريس بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيس وزارة الثقافة الفرنسية بمبادرة من الرئيس شارل دوغول يكرّم «متحف مونبارناس» في باريس الأديب الفرنسي الراحل أندريه مالرو الذي كان أول وزير للثقافة، وذلك من خلال معرض يحمل عنوان «السفر الأخير لأندريه مالرو إلى هاييتي، اكتشاف فن الفودو». من المعروف عن مالرو أنه طبع برؤيته العميقة للفنون والحضارات المشهد الثقافي الفرنسي. ويعتبر العديد من مؤرّخي الفنون أنّ الكثير من الإنجازات الفنية في فرنسا والعالم لم تكن لتتحقّق لولا مواقف مالرو المعروف بانفتاحه على بقية الحضارات ومنها الحضارات الشرقية. وهنا تنبغي الإشارة إلى الدور الذي لعبه في إنقاذ الآثار المصرية وإقامة المعارض للتعريف بالفنون التي كانت تعتبر هامشية وغير معترف بها في فرنسا من قبل المتاحف. المعرض الذي أقيم في متحف مونبارناس يسلّط الضوء على تجربة غير معروفة في سيرة أندريه مالرو وتتمثّل في زيارته لهاييتي في نهاية عام 1975 للقاء فنّانيها الذين يعدّون من الفنانين الفطريين وكان عددهم حوالى 800 فنان. قبل سفره إلى تلك الجزيرة كان مالرو قد اكتشف لوحة لأحد هؤلاء الفنانين في منزل صديق له يقيم في باريس فعبّر عن إعجابه بها معتقداً أنها لفنان إفريقي، لكن حين أخبره صديقه عن مصدر اللوحة، قرّر أن يتوجّه نحو الجزيرة حيث أمضى عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة والتقى بمثقفيها وفنانيها وكان عدد منهم من الفلاحين الذين يجهلون القراءة والكتابة. بعد عودته إلى باريس، أفرد لهم فصلاً في كتاب له بعنوان «اللازمني» معتبراً أنّ أعمالهم تعكس رفضهم للواقع وهي وسيلة لإخفاء يأسهم وجروحهم التي لم تندمل. ضمّ المعرض مجموعة كبيرة من أعمال هؤلاء المبدعين غير المعروفين كما أنه يعد مناسبة للتعرّف من جديد على شخصية أندريه مالرو وإنجازاته إذ تعرض فيه مجموعة نادرة من الأفلام التي تكشف للأجيال الجديدة عن الدور الذي لعبه مالرو خلال نصف قرن، وكيف كان منجذباً باستمرار، سواء في مسيرة حياته أو في مؤلفاته، إلى الحضارات الأخرى غير الأوروبية. وهو من المساهمين في وضع حدّ للأفكار والآراء التي هيمنت سنوات طويلة في أوروبا وكانت قائمة على الصور النمطية الطالعة من الإرث الاستعماري في تعاطيها مع الآخر المختلف. رحيل الباحث الفرنسي في الفنون الإسلامية جان بول رو عن عمر يناهز الرابعة والثمانين ،توفي في ضاحية «سان- جيرمان- أون- لي» الباحث الفرنسي في الفنون الإسلامية جان بول رو. ولد رو في باريس عام 1925 ودرس في معهد اللغات الشرقية ثم عمل في المعهد الوطني للأبحاث حيث عرف بتخصصه في تاريخ الشعوب التركية والمغولية وثقافاتها. وفي عام 1953 وبمناسبة مرور خمس مئة عام على سقوط القسطنطينية على يد العثمانيين، أصدر كتابا بعنوان «تركيا» عن دار «بايو»، وقد أصبح هذا الكتاب أحد المراجع الأساسية بالنسبة إلى المهتمين بتركيا في فرنسا. ومنذ تلك المرحلة تميز رو بغزارة إنتاجه وعمق أبحاثه فصدرت له مجموعة من الكتب ساهمت في التعريف بشخصيات مجهولة في فرنسا على الرغم من أنها لعبت دوراً مهمّاً في آسيا والعالم الإسلامي ومنها بابر، مؤسس الدولة المغولية الإسلامية في الهند. عام 1965 تمّ تعيين رو، بمبادرة من وزير الثقافة والأديب أندريه مالرو، أستاذاً لمادة الفنون الإسلامية في المعهد التابع لمتحف «اللوفر»، وقد عمل هناك لمدة تجاوزت الربع قرن مما سمح له بتنظيم معرضين كبيرين عن الفنون الإسلامية عام 1971 و1977. ساهمت نشاطات جان بول رو في وضع الفنون الإسلامية في متحف «اللوفر» جنباً إلى جنب مع فنون الحضارات الأخرى ومنها الفرعونية واليونانية والسومرية، وهذا ما سمح في وقت لاحق بتأسيس قسم بأكمله في المتحف مخصص لهذه الفنون، وذلك في إطار مشروع «اللوفر الكبير» الذي تبنّاه الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران في مرحلة الثمانينات. ويخضع هذا القسم حالياً لعمليّة توسيع من المتوقّع أن تكتمل عام 2011 ممّا سيسمح بعرض نماذج نادرة من التحف الفنية التي تختصر الإبداع الإسلامي منذ المرحلة الأموية وحتى المرحلة العثمانية. وفي إطار هذا المشروع طلبت إدارة المتاحف الوطنية من جان بول رو أن يعدّ قاموساً عن الفنون الإسلامية. عام 2007 صدر وبالتعاون مع دار «فايار» الباريسية، كتاب بعنوان «قاموس الفنون الإسلامية» وهو ثمرة أكثر من نصف قرن من العمل والبحث حول هذه الفنون. ويعدّ هذا الكتاب حدثاً ثقافياً مهمّاًً بالنسبة إلى المهتمين بالفنون الإسلامية، فهو يعتبر الأول من نوعه في فرنسا ويتوجّه بصورة خاصّة إلى محبّي المتاحف وهواة اقتناء التحف الفنية وكذلك إلى الذين يزورون الدول الإسلامية ويرغبون في التعرف على آثارها المتنوعة. يوثّق الكتاب لأبرز المدن الإسلامية التاريخية ولصروحها المعمارية التي تغطّي مساحة معمارية شاسعة تشمل ثلاث قارات معتمداً على عدد كبير من الصور الملوّنة لتلك الصروح والمدن مع شروح تفصيلية تطالعنا على امتداد صفحات الكتاب التي تبلغ حوالي الخمس مئة. باختصار يتوقف هذا القاموس عند المحطات الأساسية في مسيرة الإبداع الإسلامي وأولها المرحلة الأموية التي شهدت ولادة هذا الفن فيستعرض تاريخ المدن التي احتوت على أقدم الصروح ومنها القدس ودمشق حيث شيّد الأمويون تحفهم المعمارية ومنها قبة الصخرة والجامع الأموي الكبير. من سوريا إلى العراق ومصر وبلاد فارس وآسيا الوسطى والأندلس والمغرب العربي والهند وأفغانستان حيث شيّد المسلمون، منذ تمدّدت فتوحاتهم، مدناً جديدة ومنها الفسطاط والكوفة وبغداد وسامراء، وقد عكست هذه المدن، بحسب الباحث جان بول رو، الطابع المديني للحضارة الإسلامية ودور التجارة في موازاة تشجيع الأمراء وأبناء الطبقات الميسورة للفن والفنانين. عام 2007، أصدر جان بول رو كتاباً آخر بعنوان «صدمة الأديان» ويتمحور حول الصراع التاريخي بين الإسلام والمسيحية. قصائد للشاعر الفرنسي رينيه شار يمثّل الشاعر الفرنسي الراحل رينيه شار أحد أبرز الأصوات الشعريّة في فرنسا في القرن العشرين وأكثرها حضوراً في العالم. وتتميّز قصيدته بنفاذها وقدرتها على التقاط ما يتعذّر التقاطه من أشياء الحياة والعالم. وهي تعي بحدسها الشعري العالي وبجماليتها الرفيعة الوجهَ الآخر للضوء، وأسرار الكآبة والظلمة، لكنها، في الوقت نفسه، تعي وجود «الماسة تحت الأنقاض»، بحسب تعبير جلال الدين الرومي. يقول شار: «في ظلماتنا، لا مكان للجمال. المكان كلّه للجمال». فيما يأتي، ننشر الترجمة العربية لبعض قصائد رينيه شار: 1 – أعِدْ إليهم ما لم يعد حاضراً فيهم فيَرون حبّةَ الحصاد تنغلقُ في السنبلة وتتمايل فوق العشب. علِّمْهم شهورَ وجوههم الاثني عشر بين السقوط والقيامة. سوف يحبّون فراغ قلوبهم حتّى الرغبة التالية فلا شيء ليغرق ولا ليطيب له الرّماد ومن يعرف كيف يرى إلى الأرض تبلغ الثمار ما من فشل يلمّ به حتّى ولو فقد كلّ شيء. -2- كيف تأتيني الكتابة؟ مثل زَغَب الطّير على زجاج نافذتي في الشتاء. ارتفعَ للتوّ في الموقد عراكُ جَمر ما انتهى بعدُ. الشعر سيسرق منّي موتي. حزينة هي الأرض التي تستقبل البِزرة. فرِحَة هي البزرة التي كم ستجازف. نرغب في البقاء مجهولين أمام فضول اللواتي يحبِبننا. إننا نحبّهنّ. للضوء عمر وليس للّيل. تُرى ما كانت لحظة هذا النبع؟ الجمال يُعدّ وحده سريرَه المهيب، بغرابة يبني شهرته بين البشر، بالقرب منهم، لكن على حِدة. لنبذر القصَب ونزرع الكرمة على التلال، على ضفاف جراح روحنا. أصابع قاسية، أياد محترسة، هذا المكان الظريف مؤاتٍ. -3- لَجوج الكتابة أنت متعجِّل، كما لو أنّكَ تأخّرتَ عن الحياة ما دام الأمر هكذا، واكِب ينابيعك. أَسرِع. أسرِع لنَقْلِ ما فيك من دهشة وتمرّد وإحسان. إنّكَ لمتأخّر حقاً عن الحياة هذه التي يستحيل التعبير عنها. الوحيدة التي قبلتَ أن تتّحد بها، في نهاية الأمر والتي تمتنع عنك كلّ يوم عبر الكائنات والأشياء. من هنا وهناك، تفوز منها ببعض المراحل الذابلة، بمشقّة وعقب معارك بلا رحمة. بعيداً عنها، ما كلّ شيء سوى احتضار خاضع، ونهاية فظّة. إذا صادفتَ الموت وأنتَ تعمل تقبّله، تقوَّس مثل رقبة ترشح عرقاً وترضى بمنديل جافّ. إذا أردتَ أن تضحك قَدِّم طاعتك وليس سلاحك أبداً. خُلقتَ أنت من أجل لحظات قليلة الشيوع. تَغيّر، اختفِ بدون ندم لمشيئة القسوة العذبة. محلّة وراء محلّة تصفية العالم مستمرّة بلا انقطاع بلا تيه. -4- نحوكِ دائماً بكتمان حتى فمكِ الحبيب. لكنّ اللحظة العابرة تسمّيني مهما تكن القسمات التي أستعيرها. المصطفاة من الهواء سوسة القمح لا تبذر غناءها في الأرض وفي القمحِ الريحُ تَعبر. أقرّب شعلتي من الوردة. ولا تئنّ الشوكة! وحده غباري يستطيع أن ينهكني. -5- أريد اليوم أن يكون العشب أبيض لأحتقر بداهة رؤيتك تتعذّبين. ألتفت إلى الشكل الخشن تحت يدكِ الفتيّة، بدون طلاء الموت. في يوم ما، سينتزع آخرون، أقلّ لهفة منّي، قميصكِ المنسوج، ويحتلّون مضجعكِ. لكن سيفوتهم، وهم ذاهبون، أن يطفئوا سراج الليل فيفيض قليل من الزيت من مقبض الشعلة على الحلّ المتعذِّر.