حي السبالة في وسط مدينة الرياض من الأحياء الفقيرة التي يعيش معظم سكانها على مساعدات الجمعيات الخيرية والمحسنين من أهل الخير، ولحظة وصولك إلى الحي تشاهد تجمع الأسر حول أبواب منازلهم المتهالكة رجالاً وأطفالاً في مختلف الأعمار، حيث يتلقون ركبان المحسنين بعيون حائرة، وشيوخ ينظرون اليك بتأمل، ويتوقعون بأنك تحمل الصدقات والمساعدات. مع أول أسرة التقيت بها تقدمت مني امرأة في العقد الرابع وطلبت مني رؤية بيتها، حيث دخلت المنزل الذي لا يتجاوز العشرين مترا لا نوافذ وظلام دامس وأطفال ينامون على الأرض بدون فراش. بدأت (سبته محمد زيد) شكواها تقول" لقد توفي زوجي قبل أشهر ولدي من الأطفال عشرون طفلا، أكثرهم توائم، وأكبرهم عمره تسعة عشر عاما، ونقيم في هذا الحي منذ فترة طويلة، ولم يسبق لنا التسجيل في الجمعيات الخيرية، ونعيش على صدقات المحسنين. وعند خروجي من منزل هذه الأم وجدت أمامي امرأة طاعنة في السن وزوجها يطلبون مني رؤية منزلهم وتصويره، وقبل دخولي إلى بيتهم لفت نظري تكدس الأوساخ الكثيرة، فالبيت متهالك جدا، ومساحته تتراوح بين ثلاثة عشر مترا فقط ،ومظلم جدا لانور ولا يوجد فيه الكهرباء، وقالت المسنه:" ليس لدي أولاد فجميعهم متوفين والمحسنين هم من يطعموننا كل يوم ومن مرض في هذا الحي لا يجد علاج". ومن خلال مروري بين الأزقة الضيقة بين البيوت استوقفني منظرا تجفيف الخبز أمام أحد البيوت اقتربت منه فوجدت امرأة في العقد السادس من العمر،سألتها عن حالها أجابتني بخير، وسألتني لديك مساعدة أعطيني، أذا لم تساعديني فاتركيني، حاولت معها لكنها ترفض الإجابة وسألتها عن الخبز الذي أمام منزلها أجابت انه للبيع حيث تقتات علية البادية وسألتني أذا كنت أرغب بشراء بعضاً منه!!. وأمام باب أم محمد التي رفضت التصوير وقالت وهي غاضبة كم هي من المرات التي تأتون إلى هنا وتكتبون وتبحثون عن أوضاعنا ولكن (لا حياة لمن تنادي)، أنا أسكن هنا منذ أكثر من ثلاثين سنة ولم يتغير شيء، الفقر يزيد والمساكن تالفة ومتهالكة وليس فيها وسائل الراحة، وفجأة انتهى حديثي معها عندما ذهبت مسرعة فقد توقف احد المحسنين وبيديه مساعدة لها! زوجان مسنان يعيشان لوحدهما في منزل متهالك وسط الحي الأسباب والحلول وحول استمرار وجود الفقر في الأحياء الفقيرة يعلق الأستاذ عبدالله بن راشد العبد الطيف المستشار الفني بمركز المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني على هذا الموضوع، ويقول أن من أهم الحلول الاعتراف الرسمي بوجود مشكلة الفقر، وتحسين أوضاع من هم تحت براثنه بزيادة مخصصاتهم المباشرة وغير المباشرة، مشيراً إلى أن من أهم اسبابه عدم اكتساب الفرد للمعرفة والمهارة والخبرة اللازمة لتوظيف قدراته في أي مجال لتكون مصدراً للدخل، وعدم الموازنة ما بين الإيرادات والمصروفات للأسرة وأفرادها، كذلك عدم حصول بعض المواطنين على حقوقهم من الخدمات التي يفترض أن تقدمها هذه الجهة أو تلك، واتكالية القطاعات الحكومية على بعض وعدم تنسيق الأدوار للحد من مشكلة الفقر، فالجهات المعنية كالضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية و"الصناديق" لن تستطيع العمل بمفردها لتحقيق مستوى معيشي أفضل للمستهدفين مالم تدعم بمشاركة الجهات الأخرى كل وحسب اختصاصه. ويؤكد العبد اللطيف على حلول معالجة مشكلة الفقر، وهي: تفعيل القرار السيادي للدولة وقد صدر عدد من التوجيهات السامية منها:إعداد إستراتيجية للحد من مشكلة الفقر، إنشاء صندوق خيري لمعالجة الفقر وما خصص له من ميزانية، زيادة مخصصات ذوي الاحتياجات الخاصة والمسجلين في الضمان الاجتماعي، صرف المخصصات لدعم الجمعيات الخيرية، كذلك من الحلول زيادة رواتب الموظفين، والاستمرار في منح نسبة غلاء المعيشة، وزيادة رأس مال بنك التسليف والادخار، وتفعيل ونشر برنامج الأسر المنتجة وتسويق منتجاتها، إلى جانب نشر ثقافة العمل الحر واستهداف القادرين والراغبين من أبناء الأسر متدنية الدخل لإنشاء مشروعات صغيرة خاصة بهم وتأهيلهم ودعمهم مالياً واحتضان مشروعاتهم لوقايتها من التعثر ومن مخاطر المنافسة السلبية. سبتة لم تسجل في الجمعية الخيرية وتعيش مع أطفالها على صدقات المحسنين وقال ان من بين الحلول توظيف إمكانات الجهات الحكومية والقطاع الخاص في برامج الشراكة الاجتماعية وتحديد دور كل جهة لمنع الازدواجية وما يترتب عليها من هدر للمال والجهد والوقت وتوجيهها التوجيه السليم بما يسهم بمعالجة مشكلة الفقر بدلاً من أن تكون سبباً فيه، كذلك إعداد خطط عملية ذات بعد اقتصادي لاستثمار الرأس مال البشري وتطوير مهاراته والقضاء على المعوقات التي تحول دون ذلك من خلال تحديد مشكلات وأسباب تدني المستوى المهاري لمخرجات التعليم والتدريب والعمل على تلافيها، وتطوير الأنظمة والتصدي لتأثير العمالة الوافدة بما يحقق الثقة بكفاءة ابن الوطن لممارسة مهام عمل الوظيفة في القطاع الحكومي والقطاع الخاص والإقدام بثقة على ممارسة العمل الحر.