يمكن للمقابلة الشخصية أن تصبح كالفاصلة التي تربط بين سطرين في حياة إنسان، ويمكن أيضا أن تكون كالنقطة التي يختتم بها سطرا، وبها يتعين عليه أن يعيد الكتابة من جديد.. آلاف المقابلات الشخصية تجري كل يوم، من اجل الالتحاق بتعليم أو وظيفة، ومثلها من اجل إثبات أهلية الزواج أو لمجرد ممارسة هواية في مكان عام، وفي كل مقابلة تعلو الآمال ويتسارع النبض ويزيد الضغط أو ينقص حتى تمضي اللحظات الثقيلة وتنتهي المقابلة أما بنجاح يشكل نقطة انطلاق، أو بفشل يعود بصاحبه للنقطة صفر.. في هذا التحقيق نقف مع أصحاب التجارب في المقابلات الشخصية، نقيس نبضهم آنذاك ونعرف الأسرار من أهل الخبرة.. أهمية المقابلة الاستاذ عبدالرحمن بن عبدالعزيز النشمي مدير عام الموارد البشرية في إحدى الشركات الكبرى، يوافق على أن المقابلة الشخصية تعد أداة من أدوات تغير حياة الإنسان في مساره المهني أو مساره العلمي، قياسا على جدية الهدف ومحدودية الوقت المتاح للمقابلة، ونتائج المقابلة من قبول أو رفض، وهذه الخصائص تبرز أهمية المقابلة الشخصية واستحواذها على هذا الاهتمام والنتائج المترتبة عليها. فالتغيرات في المسار المهني أو العلمي تتيح للإنسان الانتقال من مجال إلى مجال آخر، وبالطبع ينتج عن هذا الانتقال تغيرات في الوفاء بالحاجات الإنسانية التي كان يتطلع إليها الإنسان لإشباعها ماديا ومعنويا، ويشمل ما كان يطمح إليه من أهداف، والتغيرات المكانية التي قد تحصل وأثرها، ويشمل ذلك حتى المجتمع المحيط بالإنسان وما تعود عليه. وظيفة وعريس! "اعتبر نفسي ابرز مثال لما يمكن أن تغيره مقابلة شخصية في حياتك"، بهذه الجملة تستهل الدكتورة منى الطبيبة في أحد مستشفيات الرياض حديثها، وتضيف: توجهت لعمل مقابلة عمل في المستشفى قبل أربعة أعوام، كنت مضطربة، وقد صليت ودعوت الله كثيرا أن يقبلوني في هذا المستشفى، وكنت أيضا قد سمعت كثيرا عن صعوبة المقابلات الشخصية فيها، وقلة عدد من يجتازها، توكلت على الله وذهبت، وهناك كانت تنتظرني مفاجأة عمري، إذ أن كبير الأطباء الذي كان يجري المقابلة معي ما لبث أن حول وجهة الأسئلة العلمية إلى الجانب الاجتماعي في حياتي، وسألني فجأة إن كنت متزوجة أو مخطوبة، وحين قلت لا بادرني بطلب الزواج وقال لي بالحرف الواحد:" حددي لي موعد مع أبيك سآتي لزيارتكم الليلة!". ثم هزت الدكتورة منى كتفيها وتقول مبتسمة: تزوجنا، وعندنا الآن ثلاثة أطفال.. معايير القطاعيين من جانبه يرى النشمي أنه حين يكون المؤهل العلمي هو المعيار الوحيد الذي تحكم به جهة ما -حكومية أو أهلية- على أهلية المتقدم، فلابد أن هناك خللا في أداء تلك الجهة. وقال أن المقابلة الشخصية تعتبر مرحلة مهمة من مراحل عملية التوظيف، لكن تتفاوت معاييرها من جهة إلى أخرى، وفي القطاع الحكومي تحديدا يوجد ما يسمى بالتوجيه والرفع بالمباشرة من الجهة المستفيدة، مثل ان توجه وزارة الخدمة المدنية مجموعة من الخريجين أو الخريجات لوظائف معينه في أحد قطاعات الدولة اعتمادا على المؤهل العلمي فقط. وأضاف أن في القطاع الخاص مرونة إلى حد ما في آلية المقابلات الشخصية، خاصة عندما يكون المرشح لدية خبرة طويلة إلى حد ما، فقد يتطلب الأمر من المٌقابل حينذاك تكييف المقابلة للمرشح، مع إبقاء معايير شبه ثابتة تهتم بالكفاية أو الجدارة المطلوب التحقق منها لدى المرشح. تعجيز "لم أجد في مقابلتي أي نوع من العدالة أو الأخذ بالمعايير المنطقية"، اخبرتنا بذلك السيدة أم دانا التي ذهبت لعقد مقابلة شخصية للعمل في بنك في المنطقة الشرقية، وقالت: يوم المقابلة الشخصية كان يوما عاديا للغاية، واشتملت المقابلة على أسئلة متوقعة للتعرف على الشخصية والمؤهلات العلمية، جرت الأمور ببساطة وتم تحديد موعد للاختبار التحريري وذهبت بمنتهى الثقة، فانا اعرف قدراتي جيدا، ولكني فوجئت بأمر آخر، لقد قسموا الأسئلة على ثلاثة أقسام الأول أربعين سؤالا في الرياضيات ينبغي إجابتها في ثلث ساعة، ومثل ذلك في اختبار اللغة الانجليزية ولاختبار الطباعة، كان مطلوبا مني أن أنجز الكثير في ساعة واحدة، أصابني الارتباك وشعرت بالغضب وشعرت بأنهم يتعمدوا التقليل من شأني وإظهاري بصورة اقل مما أنا عليه فعلا، تقريبا تركت الامتحان التحريري في منتصفه وقلت لا أريد أن اعمل عندكم. المقابلات السلوكية علق النشمي قائلا : هناك توجه الآن باستخدام ما يسمى المقابلات السلوكية "Behavior Interview"، وهذا الأسلوب يتبنى مفهوم أن "سلوك الماضي يبين سلوك المستقبل"، خاصة في محاكاة بعض القدرات، مثل القدرة على اتخاذ القرار، أو القدرة التحليلية، أو العمل بروح الفريق الواحد، وهذا على سبيل المثال وليس التعميم، لذا لابد من وضع معايير خاصة لكل وظيفة تستنبط القدرات اللازمة للوظيفة نفسها. أمثلة حية وذكر لنا مدير الموارد البشرية في هذا الصدد مثالين يعتبران أصدق تعبيرا عن تأثير المقابلات الشخصية المتمكنة على مستقبل المؤسسة، حيث قال: الأولى لمدير حاسب آلي في إحدى شركات القطاع الحكومي تمت مقابلته وأثناء المقابلة لم يتم استكشاف قدراته في تطبيقات الحاسب الآلي التي كانت دون المستوى، وأيضا لم يسأل عن مقدار معرفته الشمولية بمهام مدير الحاسب الآلي، على الرغم من أهمية هذا الجانب في وضع الشركة وحاجتها لشخص يقوم بهذا الدور، وترتب على توظيفه عجزه عن قيامه بهذا الدور ولجوء الشركة إلى مجموعة من المستشارين الفنيين لسد هذا النقص! وأضاف: والقصة الأخرى كانت لإحدى الوظائف التي تعتمد على اللياقة البدنية للقيام بأعباء الوظيفية، وإثناء المقابلة الشخصية تم إغفال مناقشة فترة انقطاع في السيرة الذاتية، وتبين فيما بعد خضوع هذا الشخص في تلك الفترة إلى عملية قلب مفتوح تتطلب إجراء فحوصات لاحقة، مما يتعذر معه تكليفه بأعباء هذه الوظيفة نظاميا وكان هذا المرشح من خارج المملكة وترتب على استقدامه الكثير من التكاليف الباهظة. خسائر الطرفين ما الذي يترتب على مقابلة شخصية غير محترفة واختيار مبنى على مقابلات ضعيفة ؟ يقول النشمي: هذا موضوع مهم، وللأسف هناك الكثير من الخسائر المباشرة وغير المباشرة من جراء عدم إجراء المقابلات بكفاءة، وقد تصل إلى أضعاف مضاعفة حسب أثر شاغل الوظيفة من اتخاذ قرار خاطئ أو عدم القدرة على اتخاذ قرار لضعف المعرفة أو القدرات الشخصية، ولنأخذ مثالا بسيطا.. البائع ذو القدرات الشخصية الجيدة والقادر على الإقناع هو في حد ذاته منشط للمبيعات، والعكس من ذلك البائع الفظ أو غير المقنع بتواصله مع الزبائن قد يكون أثره عكسيا على المبيعات وعلى العملاء وحتى سمعة الشركة. وتكون هذه المخاطر أكبر في الوظائف القيادية، هذا من ناحية العمل، أما بالنسبة لطالب الوظيفة فالوضع يختلف من حيث الأثر، فتكراره لاختيار وظائف غير مناسبة قد توجد انطباع بعدم جديته وكذلك عدم نضجه وعدم معرفته ماذا يريد ومدى الاعتماد عليه، لذا فعلى طالب الوظيفة أن يعيش الوظيفة المتقدم لها قبل الإقدام عليها. خبير مقابلات يقول فهد سعد: لي تجارب طويلة و كثيرة مع المقابلات الشخصية للوظائف في القطاع الخاص، واستطيع أن أقول بمنتهى الوضوح أن معظم القائمين على المقابلات الوظيفية غير متخصصين، اقصد أنهم لا يستطيعون تلمس حقيقة الشخصية التي يقابلونها، غالبية الأسئلة سطحية ومكررة لا تحمل أي إبداع ولا تقبل أي أفكار جديدة لدى المتقدم. وأضاف: لاحظت أيضا أن أولويات كل القطاع الخاص تتركز في عدة نقاط لا تتعداها ولابد أن تظهر خلال المقابلة بشكل أو بآخر، أولها "قابلية العمل في أي مكان" وثانيها "مدى جديتك في العمل"، ويقصدون من وراء هذه الأسئلة أن المطلوب شخص يعمل بلا مطالبات أو اعتراضات أو حتى حقوق حقيقية. أسس المقابلات يضع الاستاذ النشمي بعض الأسس التي ينبغي لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة الانتباه لها عند اختيار موظفيهم فيقول: التوظيف عملية تحتاج إلى تخطيط واستعداد، وهذا بدوره يتطلب الإجابة على ثلاثة أسئلة:لماذا أوظف - وكيف أوظف - ومن أوظف ... ومن هذا المنطلق أنصح أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة بتحديد حاجتهم الفعلية، وتحديد المهام التي سوف تناط بشاغل الوظيفة، خاصة إذا عرفنا أن المورد البشري (الموظف أو العامل ) له نفقات ثابتة في ميزانية المشروع، إضافة إلى أن عملية التخطيط كذلك توفر اليد العاملة في الوقت المناسب بالكفاءة المناسبة، ولعلني أنصح هنا بأهمية استنباط أسئلة المقابلة من القدرات اللازمة لشاغل الوظيفة، وكذلك قراءة السيرة الذاتية للمتقدمين قبل المقابلة بوقت كاف، مع وضع الملاحظات عليها، والحرص أثناء المقابلة على تحقيق التجانس بين المهارات والمعارف التي يحملها المتقدم وبين متطلبات الوظيفة، آخذين في الاعتبار جدية الغرض ومحدودية الوقت المتاح والقرارات الناتجة عن المقابلة، ولابد هنا أن نشير إلى مهارة طرح الأسئلة ومهارة الإنصات. وللشباب أقول وبالنسبة للشباب والشابات المقبلين على المقابلات الشخصية بحثا عن وظيفة، يوجه مدير الموارد البشرية النشمي حديثه لهم قائلا: أدعوهم للاستعداد للمقابلة والتهيئة النفسية والمعرفية قبل التوجه للمقابلة، ومن ذلك الإطلاع على نشاط الجهة، وكذلك بيئة عملها، ومعظم المنشآت في الوقت الحاضر لديها مواقع على الانترنت يمكن الرجوع لها، وكذلك الاسترشاد بوصف وظيفي لوظيفة مماثلة، ومعرفة المهام الممكن أن تناط بشاغلها، فهذه من شأنها أن تعزز الثقة بالنفس، إذا أضفنا لها الهيئة المناسبة والالتزام بالمواعيد. أيضا هناك أسئلة متوقعة ينبغي على المتقدم تجهيز إجابات وافية لها مثل أسباب اختيار التخصص، وما هي المعارف التطبيقية الممكن إبرازها وأهميتها في العمل المتوقع وكذلك أسئلة في الميول والتوجهات الشخصية.