رواية علوية صبح الجديدة "اسمه الغرام" دار الآداب، تشابه روايتيها السابقتين "مريم الحكايا" و"دنيا"، فهي تُدرج ضمن نهج أسلوبي يعتمد بين ما يعتمد، على ما يسمى الميتاقصة أو القصة المنبثقة عن قصة. وحيث تفصح الحكايات المتداخلة لنساء علوية صبح عن خطاب أنثوي "فامنستي" لفتيات الضيعة الجنوبية المرتحلات إلى بيروت، يصبح التجاذب بين المكانين، العاصمة بتلاوينها الحضارية وأسلوب عيشها المنفتح، والقرية الجنوبية بجمال طبيعتها وطقوسها الدينية ومروياتها، من بين مراكز الدراما الأساسية. وإن كان عنصر التماثل في روايات المؤلفة يؤهلها لتكوين حلقة متصلة في سيرة روائية واحدة، فهي في كل أحوالها تطل على عوالم مختلفة للنساء في تبدل أحوالهن. لعل الجانب الاجتماعي في المعالجة، يشكل ما يشبه الحلقة المغلقة التي تطبق على قول الرواية وتحوله إلى نموذج واحد يتكرر في مناخه العام، وتبقى الحالات المتحركة للنساء غير قادرة على تجاوز صيغة التكرار في التقنية ومنطق الخطابات. في الرواية الجديدة تسعى المؤلفة إلى ربط حكايات كل الشخصيات ضمن محور يدور حول الشخصية المركزية، دون أن يفلت هذا المحور في تشعبات المتاهة الشفاهية للسرد، ولكنها لا تتخلى عن فكرة الحوار مع القارئ المفترض، كما تفعل في روايتيها السابقتين، فهذا الحوار يدخل في صلب تقنية الحبكة، ليصبح توطئة يسجل من خلالها الصوت السردي الكيفية التي تتشكل الشخصية في ذهن المؤلف عبر الإيحاء بتماهي المادة السردية مع مصدريها المؤلف والسارد أي الخيال والحقيقية. وفكرة الربط بين السيرة الذاتية والرواية أو الخيال والذاكرة الشخصية، من بين عوامل التشويق في القص النسوي عموما، فالقاصة العربية لا يُنظر إليها فقط كصانعة خيال، بل كمشروع للبوح عن مكنونات تجهد الذاكرة الجمعية العربية التستر عليها. ولعل المكاشفة العاطفية والجسدية في روايات النساء وبينهن علوية صبح تمضي باتجاه فكرة الاستجابة والتحدي لما تتطلبه قواعد اللعبة تلك، بما فيها الإيهام بأن مغامرة التجربة الروائية ليست بعيدة عن فكرة تقليب أوراق في السيرة الذاتية. ومن هنا تدور أحداث الرواية الجديدة حول مقولة الحب أو الغرام، فثيمة الحب تتحول الى كفاح من أجل حق الحياة والاستمرار في البقاء عند المرأة التي تجاوزت منتصف العمر. الحب والإحساس بالجسد تعبير عن دفق الحياة، عن استمرار الدور المتجدد للمرأة، وهو حق تعمد الحضارة الحديثة الى تأكيده سواء بالنسبة إلى المرأة أو الرجل، بيد انه وفق المنطق الروائي يتحول إلى فعل مقاومة نسوية تكتسي مشروعيته منطقاً درامياً. الزمن وكيفية تصوره يشكلان البنية الأساسية لرواية صبح الجديدة، وحيث يستبطن السرد فعل الزمن في دورته المتجهة من الحاضر إلى الماضي، يصبح السرد نفسه عامل مقاومة للاقصاء، او لمحو فكرة الزمن المنتهي. فالبطلة التي تصاب بمرض الزهايمر، بعد أن تجاوزت منتصف العمر، تكافح النسيان في وقت مبكر من حياتها، وهي تستودع سرها المؤلفة المفترضة قبل أن يلفها ضباب الذاكرة المشوشة وتختفي. وتحمل سيرتها توقيعين للزمن في رواحه ومجيئه، فهي تتجاوز أزمة سن اليأس بجسدها المتوثب وروحها التواقة إلى الوصال والحب، ولكن ذاكرتها المعطوبة، تمضي بها الى هاوية النهاية. ولا مفر هنا من القبول بفكرة الزمن النسائي الذي تعالجه الرواية، فهو معطوب لتعالقه مع أزمنة الحرب والعوق الاجتماعي، فالبطلة المتزوجة التي غدت تملك أحفاداً، سبق أن فقدت فرصة الزواج من حبيبها في شبابها، وتستعيد حبها المفقود الذي حالت الظروف دون زواجه منها، لأنه مسيحي ترتبط به أيام الحرب الأهلية، فيضطر الرحيل إلى منطقته، بعد أن انقسمت لبنان إلى كانتوهات العزل الطائفي. ولكن إصرار الحبيبين على التواصل رغم مخاطر العبور من منطقة الى أخرى، يجعل البطلة على استعداد لمفاتحة أهلها بفكرة الزواج. هنا يعود منلوج البطلة الى الماضي ليطل مشهد العائلة الجنوبية التي تنقسم بين الأب الذي يقبل فكرة الزواج لأنه محب للحياة ومتجاوز فكرة الطوائف، والأخ المتعصب لطائفته الرافض فكرة حرية المرأة، فهو قد عاش بين دلال الأمّ والعمة، والشخصيتان تمثلان الامتداد الطبيعي لتاريخ المكان الريفي بمفاهيمه المنغلقة الكارهة للآخر. تجري معظم أحداث الرواية في بيروت، ومن خلال عرض منلوج البطلة نهلا الفتاة الجنوبية التي تترك أوراقها لتسلمها صديقتها سعاد إلى المؤلفة وتستودعها سر غرامها وسعادات جسدها. في تلك الاوراق تسجل البطلة سيرتها وسيرة صويحباتها المنحدرات من ضيعتها، قبل أن تفقد ذاكرتها بالكامل وتهيم على وجهها. وتربط الساردة الثانية التي تمثل صوت المؤلفة، ميقات فقدان البطلة مع الحرب الأخيرة، حيث تختفي جراء القصف الإسرائيلي جثث الكثير من الجنوبين دون أن يتوصل أهلهم إلى مكان وجودهم. كما تضع من بين أسباب الاختفاء احتمال قتل زوجها لها بعد أن عرف استمرار علاقتها مع هاني حبيبها الأول. الرواية تمجيد ومرثية لحب منتصف العمر، وبطلتها تتلقى نسخة من رواية ماركيز " الحب في زمن الكوليرا"، وهي تتابع الجسد في خريفه الذي يشرق بوعود الربيع وسخاء أيامه مع حكمة العمر التي تعلي قيمة هذا الجسد وهو في توقه إلى طرد فكرة الموت بالحب والغرام.