كثيراً ما تشتكي أنك تعاني من التلقائية .. وكثيراً ما تسعد بأنك تلقائي ، وبأنك كما تقول جدتك دائماً رحمها الله إنك على وجهك . في بيئتك يصنّف الذي على وجهه بأنه بريء ، أو خبل أو أبله حسب ثقافة من يطلق التعبير . والبعض يقول إن ما في قلبه على لسانه ... ولكن أشد تعبير وأكثرها إيلاماً كان ذلك اللفظ الذي سمعته عندما كنت في حوالي الخامسة عشرة بأنك إنسان مسكين ، أو فاقد الأهلية . لعلها ثقافة المجتمعات الصغيرة التي تختلف مفاهيمها في تحليل شخصيات البشر ، وتقييمهم التقييم الصحيح . يعرفك من حولك أنك محترم لا تؤذي أحداً ، ولكنك تبحث عن احترام الآخر المفقود حتى وإن لم تطالب به . تعطي ولا تنتظر الرد ، لكنك إن جاءك الرد تسعد به وتشكر كثيراً عليه . تعرف لماذا يعتبرك الآخرون ملقوفاً وأنت لست كذلك ، تتأكد أنك لست كذلك فقط أنت تدخل إلى الأبواب المفتوحة التي يتردد الآخرون في الدخول إليها رغم أنها مفتوحة على مصراعيها بداعي عدم الرؤية . لا تستطيع أن تكون حيادياً أو أن تجعل الباب موارباً ، أو تتقبل الخطأ عندما تراه ... لكن يتعامل معك البعض بأنك قاصر عن فهم ما يجري حولك أو معتوه أحياناً . لا تنس من قال لك يوماًَ وأنت تتداخل في بعض الأمور بأن عليك أن تمسك مواقعك ، وأن لا تتدخل فيما لا يعنيك ... وعندما غضبت بصمت قال أقصد أنك على وجهك ، لا تعي ولا تفهم شيئاً في الحياة .. وياريت ظليت أنا على وجهي مثلك . عندها تماديت في التفكير ... هل الإنسان الذي على وجهه مسبّة ؟ هل أنا إنسان غبي ؟ أو أبله ؟ أو لا أفهم شيئاً ؟ ماذا يعني أن أكون على وجهي ؟ هل أنا جاهل اجتماعياً ولا أفهم شيئاً ؟ هل سعادتي وإقبالي على الحياة يعني أنني تافه ؟ وهل تافه تعني إنسانا على وجهه ؟ ما المشكلة معي؟ ولماذا تُتطلق الأحكام على الشخصية الأخرى دون تفهم أو استماع أو إدراك لما سيتركه ذلك الحكم على دواخلها ؟ إنسان على وجهه رغم هذا التعبير القاسي في مجتمع لا يفقه شيئاً في تحليل الشخصيات الإنسانية لم أفقد ثقتي بنفسي ، واستطعت التحكم فيها تدريجياً . بعد خمسة عشر عاما من تلك الحكاية التي افقدتني إحساس البراءة ، التقيت أحدهم بعد غياب ، شعرت أنه يستعد أن يفتح لي الأبواب المغلقة ، وأن يجعل عقلي الباطن يتحدث عني بالنيابة سألني : ايش أخبارك ؟ رددت باقتضاب عليه وأنا الذي لم ترحني شخصيته منذ أن كنا أطفالاً . -الحمد لله على كل حال ؟ -هاجمني بطريقته الشرسة : خير ان شاء الله ما عادك على وجهك اتغيرنا قال بسخرية .... شعرت أنني أكثر منه قدرة على التحكم في اعصابي والسيطرة على ألفاظي والتمرد على لفظ كل ما هو غبي وجارح للآخر . اكتشفت أنه لا فرق بين مصارحة الآخرين بعيوبهم ، وبين التجريح وإساله الدماء . وأن ما ننطقه بسرعة دون تفكير من الممكن أن يسمى تهوراً وتلقائية زائدة وتحتاج إلى ضوابط تحكمها . وإن من كان على وجهه ذات يوم يستطيع أن يرفع وجهه ليراك ويسمعك ويشاهدك وأنت تنقلب على وجهك بغباء وتهور وعدم احترام للآخر .